هل تنجح مصر في إنهاء برنامج صندوق النقد؟.. أسرار وكواليس الإصلاحات المقبلة

مصر وصندوق النقد
مصر وصندوق النقد الدولي

تقف مصر كلاعب رئيسي في منطقة الشرق الأوسط، تسعى لتحقيق التوازن بين الالتزام ببرنامج الإصلاح الاقتصادي مع صندوق النقد الدولي وتحقيق رؤيتها الطموحة للاستقلال الاقتصادي بحلول نوفمبر 2026. 

ومع اقتراب المراجعات الحاسمة للبرنامج البالغ قيمته 8 مليارات دولار، تبرز مصر كمثال للدول التي تواجه تحديات اقتصادية معقدة وسط اضطرابات إقليمية وعالمية، بما في ذلك تداعيات انخفاض إيرادات قناة السويس، وارتفاع الدين الخارجي، والضغوط التضخمية.

ويسلط هذا التقرير، من سمارت فاينانس، الضوء على موقف مصر الحالي تجاه مراجعات صندوق النقد الدولي في 2025، مع التركيز على التقدم المحرز، التحديات القائمة، وخطط الاستعداد الاستراتيجية لضمان إنهاء البرنامج بنجاح.

خلفية برنامج الإصلاح الاقتصادي بين مصر وصندوق النقد الدولي

وبدأ البرنامج الحالي في ديسمبر 2022 بقيمة أولية 3 مليارات دولار، ثم تم توسيعه في مارس 2024 إلى 8 مليارات دولار لمواجهة الصدمات الخارجية مثل انخفاض إيرادات قناة السويس بنحو 6 مليارات دولار في 2024 بسبب التوترات الإقليمية، وارتفاع التضخم الذي بلغ ذروته عند 38% في سبتمبر 2023.

ويشمل البرنامج إصلاحات هيكلية تركز على تحرير سعر الصرف، تقليل الدين العام، وتعزيز دور القطاع الخاص، وحتى الآن، حصلت مصر على 3.5 مليارات دولار من خلال أربع مراجعات ناجحة، آخرها في مارس 2025 حيث وافق مجلس التنفيذي للصندوق على صرف 1.2 مليار دولار بعد استكمال المراجعة الرابعة.

كما وافق الصندوق على اتفاق إضافي بقيمة 1.3 مليار دولار تحت تسهيل الصلابة والاستدامة (RSF) لدعم الجهود البيئية والاجتماعية.

ومع ذلك، أشار تقرير الصندوق لعام 2025 إلى تقدم متفاوت في الإصلاحات الهيكلية، مع استمرار هيمنة القطاع العام على الاقتصاد.

موقف مصر الحالي من المراجعات الدورية لصندوق النقد الدولي في 2025

وأكد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، في تصريحات أمس الثلاثاء، أن مصر ملتزمة تمامًا بأهداف البرنامج الحالي دون الحاجة إلى اتفاق جديد بعد انتهائه في نوفمبر 2026، قائلاً: "لن نلجأ إلى برنامج تمويلي آخر من الصندوق، فالرؤية الاقتصادية لمصر حتى 2030 واضحة ومستقلة".

وقال مدبولي، هذه التصريحات حاسما الجدل حول مستقبل العلاقة مع الصندوق، وهذا الموقف يأتي في وقت يتوقع فيه الصندوق دمج المراجعتين الخامسة والسادسة في مراجعة واحدة بحلول نهاية ديسمبر 2025، لإعطاء مصر وقتًا إضافيًا لاستيفاء الشروط، مثل صرف 2.5 مليار دولار إجماليًا.

ووفقًا لتقرير الصندوق الصادر في مارس 2025، حققت مصر تقدمًا في الاستقرار الكلي، حيث انخفض التضخم إلى 14.9% بنهاية يونيو 2025، وارتفع النمو إلى 3.5% في الربع الأول من العام المالي 2024-2025، مقارنة بـ2.4% في العام السابق.

صندوق النقد الدولي
صندوق النقد الدولي

كما بلغ الاحتياطي النقدي 48.7 مليار دولار في يونيو 2025، مدعومًا بزيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تجاوزت 10 مليارات دولار، وتحويلات المغتربين التي بلغت 36.5 مليار دولار، بالإضافة إلى إيرادات السياحة البالغة 16.7 مليار دولار.

ومع ذلك، أبرز الصندوق فجوة تمويلية متوقعة بنحو 5.8 مليار دولار في 2025-2026، مقابل 11.4 مليار دولار في العام السابق، مما يتطلب استمرار الإصلاحات، فالدين الخارجي ارتفع إلى 156.689 مليار دولار بنهاية مارس 2025، بنسبة زيادة 1.02% عن الربع السابق، لكنه يظل تحت السيطرة بفضل الالتزام بأهداف الرصيد الأولي الإيجابي الذي يصل إلى 4% من الناتج المحلي الإجمالي في العام المالي 2025-2026. 

وأكد الدكتور عبد المنعم السيد، مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية، أن مصر قادرة على تجاوز هذه التحديات بخطة وطنية للتنمية، مشيرًا إلى أن آخر تعامل مع الصندوق سيكون في نوفمبر 2026، مع الإفصاح عن النجاحات والإخفاقات.

وأكدت جولي كوزاك، مديرة الاتصالات في الصندوق، في سبتمبر 2025، أن المناقشات مع مصر "منتجة"، وأن التركيز على تعزيز المنافسة وتحسين بيئة الأعمال.

كيفية استعداد مصر لاستكمال المراجعات وإنهاء البرنامج؟

وتستعد مصر للمراجعة المدموجة الخامسة والسادسة من خلال خطة شاملة تركز على الإصلاحات الهيكلية والمالية، أولاً تعزيز الطروحات الحكومية: أعلن وزير المالية أحمد كوجك في يوليو 2025 عن تنفيذ 3-4 صفقات خصخصة قبل نهاية العام المالي 2025-2026، بما في ذلك عرض حصص في شركات عسكرية عبر الصندوق السيادي للثروة لجذب الاستثمارات الأجنبية.

وثانيًا توسيع قاعدة الضرائب، وفقًا لخطة لزيادة الإيرادات الضريبية بنسبة 2% من الناتج المحلي عبر إلغاء الإعفاءات دون رفع المعدلات، لتمويل البرامج الاجتماعية في الصحة والتعليم.

وثالثًا تعزيز الاستقرار النقدي، مع الحفاظ على سعر صرف مرن يعكس العرض والطلب، مع خفض التضخم تدريجيًا إلى أقل من 10% بحلول 2026.

رابعًا دعم القطاع الخاص، من خلال تنفيذ سياسة الملكية الحكومية لتقليل التدخل الدولي، وتحسين بيئة الأعمال لزيادة الاستثمارات.

كما تستهدف مصر نموًا بنسبة 4.5% في 2025-2026، مدعومًا بصادرات البترول التي قفزت في أبريل 2025، وتراجع عجز الميزان التجاري إلى 3.42 مليار دولار.

أخيرًا سداد الديون، حيث سددت مصر 306 ملايين دولار في أغسطس 2025، مع جدولة 395 مليون دولار في سبتمبر، مما يعزز الثقة الدولية.

ويتوقع الخبراء، أن مصر لا تستطيع الانسحاب المبكر لتجنب فقدان الشركاء الدوليين، لكنها قادرة على الانتهاء بنجاح إذا استكملت الإصلاحات.

ومع انتهاء البرنامج في نوفمبر 2026، تتجه مصر نحو خطة وطنية مستقلة تركز على التنمية المستدامة والخدمات للمواطن، حيث يتوقع الصندوق ارتفاع الدين إلى 202 مليار دولار بحلول 2029-2030، لكنه يحذر من مخاطر التوتر إذا لم تستمر الإصلاحات.

ومع ذلك، أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي في أكتوبر 2024 الحاجة إلى إعادة تقييم البرنامج لمراعاة التحديات الإقليمية، مما يعكس موقفًا متوازنًا.

تم نسخ الرابط