زيادة أسعار الوقود وطرح الشركات.. هل تملك مصر خيارًا آخر أمام شروط صندوق النقد؟

مصر وصندوق النقد
مصر وصندوق النقد الدولي

في ظل التحديات الاقتصادية العالمية والإقليمية، يظل البرنامج الاقتصادي لمصر مع صندوق النقد الدولي محور نقاشات حادة، مع اقتراب دمج المراجعتين الخامسة والسادسة لبرنامج الاتفاق الممدد مع الصندوق بقيمة 8 مليارات دولار، يركز الاهتمام على الشروط الرئيسية المرتبطة بتحرير أسعار الوقود وزيادة طرح شركات القطاع العام.

وهذه الشروط تشكل جوهر الإصلاحات الهيكلية التي يطالب بها الصندوق لتعزيز الاستقرار المالي وتقليل دور الدولة في الاقتصاد.

وفي هذا التقرير، من سمارت فاينانس، نستعرض الشروط المطلوبة في المراجعة القادمة، مع تحليل آراء الخبراء حول طريقة تعامل مصر مع صندوق النقد الدولي.

شروط صندوق النقد الدولي في المراجعة الخامسة والسادسة

ويعد تحرير أسعار الوقود أحد الشروط الأساسية في دمج المراجعتين الخامسة والسادسة، الذي يتوقع إكماله قبل ديسمبر 2025، مع صرف محتمل يصل إلى 2.5 مليار دولار.

ووفقًا لتقرير الصندوق في يوليو الماضي، يجب رفع الدعم عن الوقود تدريجيًا ليصل إلى مستوى استرداد التكاليف الكامل بنهاية ديسمبر 2025، مما يشمل زيادة أسعار البنزين والسولار بنسبة 10-15% في الشهور المقبلة.

وهذا الشرط يهدف إلى تقليل عجز الموازنة الذي بلغ 1.2 تريليون جنيه في العام المالي 2024-2025، وتحويل الدعم العيني إلى دعم نقدي مستهدف للفئات الضعيفة، كما حدث في معظم الدول العالمية.

وأكد تقرير الصندوق أن تأخير هذا التحرير سيعيق الصرف، خاصة بعد الزيادة الثالثة لأسعار الوقود في أكتوبر 2024 بنسبة تصل إلى 15%، والتي كانت شرطًا لإصدار الشريحة الرابعة.

وفي السياق الحالي، أشارت مديرة الاتصالات في الصندوق، جولي كوزاك، خلال زيارتها للقاهرة في مايو الماضي، إلى أن "استعادة أسعار الطاقة إلى مستويات التكلفة ضرورية"، مع التركيز على حماية المواطنين عبر برامج الدعم النقدي.

وهذا الشرط يأتي وسط مخاوف من ارتفاع التضخم الناتج عن الاضطرابات في البحر الأحمر، لكنه يعتبر خطوة حاسمة لجذب تمويلات إضافية من الخليج تصل إلى 14 مليار دولار.

والشرط الثاني الرئيسي هو تسريع برنامج الخصخصة، الذي يعد "مختلط التقدم" في تقرير الصندوق ليوليو الماضي، حيث يطالب الصندوق بطرح 11 شركة حكومية في 2025، بما في ذلك بنكان وبعض الشركات مثل وطنية بتروليوم، صفي للمياه المعدنية، وسيلو فودز، لتوليد 3 مليارات دولار في العام المالي 2025-2026، موجهة كلها لتقليل الدين العام.

صندوق النقد الدولي
صندوق النقد الدولي

وهذا يهدف إلى تقليل هيمنة القطاع العام، وتعزيز دور القطاع الخاص إلى 60% من الاستثمارات الإجمالية.
وأعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في يوليو الماضي أن الحكومة التزمت بمعظم الشروط عدا الخصخصة، التي تأجلت لظروف السوق، مما أدى إلى دمج المراجعتين لمنح وقت إضافي.

ومع ذلك، حذر الصندوق من أن التأخير قد يؤدي إلى فجوة تمويل خارجي تصل إلى 30.4 مليار دولار في 2025-2026، مشددًا على أن "تقليص دور الدولة أمر حاسم لنمو القطاع الخاص"، وهذا الشرط مرتبط بتحسين بيئة الأعمال وتعزيز الشفافية، حيث سجل سوق الأوراق المالية المصرية ارتفاعًا قياسيًا في يوليو 2025 بفضل توقعات الخصخصة.

المرونة الوطنية أمام الشروط

وفي سياق هذه الشروط، يرى الدكتور مصطفى بدرة، الخبير الاقتصادي، أن مصر تمتلك هامشًا للمناورة دون الالتزام الحرفي.

وقال الدكتور مصطفى بدرة، الخبير الاقتصادي لـ "سمارت فاينانس"، إن مصر تمتلك القدرة على تعديل إجراءات الارتباط مع صندوق النقد الدولي بما يتماشى مع المصلحة العامة للاقتصاد الوطني، مع الأخذ في الاعتبار الأولويات الاقتصادية للدولة.

وأضاف الدكتور بدرة: "لقد اتخذ الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، قرارًا بتأجيل زيادة أسعار الكهرباء، ونأمل أن يمتد هذا التأجيل ليشمل أسعار البنزين والسولار، التي من المفترض رفع الدعم عنها بالكامل خلال اجتماع لجنة التسعير التلقائي الشهر القادم، وذلك للسماح بانخفاض معدلات التضخم بشكل ملحوظ، مما يسهم في استقرار الأسعار وتخفيف الأعباء عن المواطنين".

الدكتور مصطفى بدرة
الدكتور مصطفى بدرة

وأوضح قائلًا: "من المرجح أن صندوق النقد الدولي لن يرحب بقرار تأجيل زيادة أسعار الكهرباء أو المواد البترولية، معتبرًا أن هذه الإجراءات جزء من روشتة المراجعة الخامسة والسادسة، ومع ذلك، تشهد مصر تحسنًا اقتصاديًا كبيرًا، يتمثل في انخفاض سعر الصرف، تراجع التضخم، وزيادة الاحتياطي النقدي نتيجة ارتفاع تحويلات المصريين بالخارج، وتنامي الصادرات والاستثمارات الأجنبية المباشرة".

وتابع الدكتور بدرة: "من المتوقع أن يعلن الصندوق تمسكه بعدم صرف الدفعات المرتبطة بالمراجعتين الخامسة والسادسة بسبب عدم التزام مصر الكامل بمتطلباته، لكنني أعتقد أن مصر قد تؤجل الاستجابة لهذه المتطلبات في ظل استمرار تحسن الأوضاع الاقتصادية".

وأكد أن قرارات رفع الدعم أو تأجيل زيادة أسعار الوقود والكهرباء هي شأن داخلي مصري بحت، ولا يحق لصندوق النقد التدخل فيه، لافتًا إلى أن مصر قادرة على تأجيل أي مطالب للصندوق إذا اقتضت الحاجة.

وأشار إلى أن الصندوق لا يملك سلطة مباشرة على مصر، سوى تأخير صرف الدفعات المتبقية من القرض، كما حدث في المراجعة الخامسة، ولكن ما يثير القلق هو تأثير إعلان الصندوق عن تأجيل شهادته للاقتصاد المصري، حيث قد يؤدي ذلك إلى قلق المستثمرين الأجانب، مما قد يتسبب في سحب جزء من الأموال الساخنة.

واختتم الدكتور بدرة تصريحاته بالقول: "الدولة تتعامل اليوم بشفافية تامة، وتصدر بيانات رسمية دقيقة تعكس الحقائق أمام المستثمرين والمجتمع الدولي، وتقديم وجهة النظر المصرية في المفاوضات مع صندوق النقد يعد ركيزة أساسية للحصول على الشرائح المتبقية من القرض، مع التأكيد أن الصندوق لا يملك فرض أي قرارات على مصر".

التوافق الاستراتيجي مع الرؤية الوطنية

من جهته، أكد الدكتور محمد البهواشي، الخبير الاقتصادي، على أهمية التوافق بين شروط الصندوق والأولويات الاجتماعية.

وقال الدكتور محمد البهواشي لـ "سمارت فاينانس"، أن التجارب التاريخية تؤكد أن مصر تتبع نهجًا متوازنًا في التعامل مع اشتراطات صندوق النقد الدولي، حيث لا تلتزم بتنفيذ هذه الاشتراطات بشكل حرفي وكامل، بل تسعى جاهدة لخلق حالة من التوافق الاستراتيجي بين متطلبات الصندوق والرؤية الوطنية المصرية.

وأضاف: "هذه الرؤية تضع البعد الاجتماعي في صدارة أولوياتها، مراعيةً آثار القرارات الاقتصادية على المواطنين، ويبقى التعاون بين مصر والصندوق مستمرًا وديناميكيًا، حتى مع اقتراب البرنامج الحالي من نهايته، مما يعكس مرونة السياسة الاقتصادية المصرية وقدرتها على التكيف مع التحديات".

الدكتور محمد البهواشي
الدكتور محمد البهواشي

وتابع الدكتور البهواشي: "العلاقة بين مصر وصندوق النقد الدولي لا تقتصر على تقديم الحزم التمويلية فحسب، بل تمتد لتشمل دعمًا فنيًا واستشاريًا هامًا يسهم في تعزيز قدرات الدولة على إدارة اقتصادها، وهذا التعاون بحد ذاته يمثل شهادة ثقة قوية في الاقتصاد المصري، تعزز من جاذبيته أمام المستثمرين الدوليين وتدعم مكانة مصر في أروقة المؤسسات الدولية الكبرى"

وأشار إلى أعتقاده أن هذا التعاون يتجاوز بأهدافه حدود التمويل التقليدي، ليشمل دعمًا شاملاً للإصلاحات الهيكلية التي تواصل الدولة المصرية تنفيذها بنجاح حتى اليوم.

واختتم تصريحاته بالقول: "مصر تتجه بخطى واثقة نحو مرحلة جديدة من التعاون مع صندوق النقد الدولي، لكن هذا التعاون يتم وفق النهج المصري الذي يركز على تحقيق التوازن بين الاستقلالية الاقتصادية وتقليل الاعتماد المالي على الصندوق، وهذا النهج يعكس رؤية استراتيجية تهدف إلى تعزيز الاستدامة الاقتصادية مع الحفاظ على الأولويات الاجتماعية، مما يضمن استمرار نمو الاقتصاد المصري واستقراره في مواجهة التحديات العالمية".

الفوائد الاقتصادية للشروط

ومن جانبه، يدعم الدكتور سمير رؤوف، الخبير الاقتصادي، الشروط كخطوات اقتصادية سليمة.

وقال الدكتور سمير رؤوف لـ "سمارت فاينانس": "يعمل صندوق النقد الدولي وفقًا لإطار من الشروط المحددة مسبقًا، ويتبع سياسة واضحة تربط تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية بصرف دفعات التمويل، ومع ذلك، لا ينبغي النظر إلى التزام مصر بتنفيذ هذه الشروط بمنظور جامد، فالمطلوب منها، مثل طرح شركات القطاع العام، يعد خطوة اقتصادية صحيحة وسليمة".

وأضاف: "هذا التوجه يخفف الأعباء المالية عن كاهل الدولة، حيث تقتصر مسؤوليات الحكومات الحديثة على إدارة المؤسسات الخدمية والأمنية الرئيسية، مثل الوزارات والهيئات الكبرى، مما يساهم في تقليص العبء المادي على الموازنة العامة، بعيدًا عن فكرة التقيد المطلق بشروط الصندوق".

الدكتور سمير رؤوف
الدكتور سمير رؤوف

وأضاف الدكتور رؤوف: "فيما يتعلق بشرط تحرير أسعار الوقود، فإنه يتماشى مع الممارسات الاقتصادية الطبيعية عالميًا، فالدعم في معظم دول العالم يرتبط عادةً بمساندة العاطلين عن العمل أو ذوي الاحتياجات الخاصة، ويقدم غالبًا بشكل نقدي، أما الدعم العيني، فقد أصبح شبه منتهٍ في العديد من الدول، مما يجعل تحرير أسعار الوقود خطوة منطقية تتماشى مع التوجهات الاقتصادية العالمية الحديثة.

توازن بين الالتزام والأولويات الوطنية

ولا تبدو مصر مضطرة للالتزام الحرفي بتحرير أسعار الوقود وزيادة الخصخصة في المراجعة القادمة، بل يمكنها تحقيق توافق يحمي الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، ومع توقعات نمو بنسبة 4.1% في 2025، كما رفع الصندوق توقعاته، يعتمد النجاح على تنفيذ مصر لإصلاحاتها الخاصة، مما يعزز الثقة الدولية ويقلل الاعتماد على التمويلات الخارجية.

تم نسخ الرابط