28 مليار جنيه مدخرة.. كيف سيستفيد الاقتصاد المصري من قرار زيادة أسعار الوقود؟

في خطوة أثارت جدلاً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي وفي الأوساط الاقتصادية، أعلنت الحكومة عن زيادة جديدة في أسعار الوقود أمس الجمعة، في خطوة استراتيجية تهدف إلى تعزيز الاستدامة المالية ودعم النمو الاقتصادي.
وهذه الزيادة، التي تأتي ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي المدعوم من صندوق النقد الدولي، تعد محطة مهمة نحو بناء اقتصاد مرن وقادر على مواجهة التحديات العالمية.
ويستعرض هذا التقرير، من سمارت فاينانس، تأثير زيادة أسعار الوقود على الاقتصاد المصري، وكيف ستغير من وجه الاقتصاد.
أسباب زيادة أسعار الوقود
وقررت لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية زيادة أسعار الوقود بنسب تتراوح بين 10.5% و12.9%، وفقاً لبيان وزارة البترول والثروة المعدنية.
وتأتي هذه الخطوة كجزء من برنامج الإصلاح الاقتصادي المدعوم بقرض صندوق النقد الدولي بقيمة 8 مليارات دولار، والذي يهدف إلى تقليص دعم الوقود تدريجياً بحلول ديسمبر 2025.
والزيادة تهدف إلى تحسين كفاءة تخصيص الموارد وتوجيه المدخرات نحو القطاعات الحيوية مثل التعليم، الصحة، والحماية الاجتماعية.
وهذه الزيادة ستوفر 28 مليار جنيه في الموازنة للعام المالي 2025-2026، مما يعزز القدرة على تمويل مشروعات تنموية كبرى.
كما تدعم الزيادة استقرار المالية العامة في ظل تقلبات أسعار النفط العالمية، التي انخفضت إلى 62 دولاراً للبرميل في أكتوبر 2025، مقارنة بـ73 دولاراً في يناير.
أسعار البنزين والسولار الجديدة
وشملت الزيادة جميع أنواع الوقود، حيث ارتفع سعر السولار إلى 17.5 جنيه للتر، وبنزين 80 إلى 17.75 جنيه للتر، وبنزين 92 إلى 19.25 جنيه للتر، وبنزين 95 إلى 21 جنيهاً للتر.
وأكدت وزارة البترول تثبيت هذه الأسعار لمدة عام على الأقل، مما يوفر استقراراً للقطاعات الاقتصادية ويسهل التخطيط للمستثمرين والشركات.
وهذا الاستقرار يعزز الثقة في الاقتصاد المصري، الذي شهد تحسناً في التصنيف الائتماني من S&P في أكتوبر الجاري، مما يجذب استثمارات أجنبية جديدة.

تعزيز الاستدامة المالية ودعم برامج الحماية الاجتماعية
وأحد أبرز فوائد الزيادة هو تقليص دعم الوقود في موازنة 2025-2026 إلى 75 مليار جنيه، مقارنة بـ154.5 مليار جنيه في العام السابق، وهذا التوفير يتيح إعادة توجيه الموارد نحو برامج الحماية الاجتماعية مثل "تكافل وكرامة"، التي تدعم 4 ملايين أسرة، وزيادة الرواتب والمعاشات بنسبة 15% اعتباراً من يوليو 2025.
وهذه الإجراءات تعزز الشمول الاجتماعي وتخفف الضغوط على الفئات الأكثر احتياجاً، مما يساهم في استقرار المجتمع وتعزيز النمو الاقتصادي الشامل.
كما يدعم الإصلاح نمو الناتج المحلي الإجمالي، الذي يتوقع أن يصل إلى 3.8% في 2025، وفقاً لصندوق النقد الدولي، وهذا النمو يعكس تحسناً في إدارة الموارد وتقليص العجز المالي، الذي انخفض إلى 2.2 مليار دولار في الربع الثاني من 2025، مما يعزز مكانة مصر كوجهة استثمارية موثوقة.
دعم الإنتاج المحلي والتحول نحو الطاقة النظيفة
وساهمت الزيادة في تحفيز الإنتاج المحلي للمنتجات البترولية من خلال تشغيل معامل التكرير بكامل طاقتها، مما قلل الاعتماد على الاستيراد، الذي كلف 500 مليون دولار في الربع الثاني من 2025.
وأشار وزير البترول كريم بدوي إلى أن هذه الخطوة تدعم التحول نحو الطاقة النظيفة، حيث أصبحت مصر رائدة إقليمياً في الطاقة الشمسية بإنتاج يعادل 15 ضعف طاقة السد العالي.
وهذا التحول يعزز الاستدامة البيئية ويفتح آفاقاً للاستثمار في مشروعات الطاقة المتجددة، مما يدعم الاقتصاد على المدى الطويل.
كما يشجع تقليص الدعم على ترشيد استهلاك الوقود، حيث ارتفع الاستهلاك المحلي بنسبة 10% في الربع الثالث، مما يضغط على الموازنة.
والزيادة ستحفز المواطنين والشركات على استخدام وسائل نقل أكثر كفاءة واستدامة، مثل النقل الكهربائي، الذي تشهد مصر توسعاً فيه مع إطلاق 1000 حافلة كهربائية في القاهرة والجيزة بحلول منتصف 2026.
تعزيز الثقة الدولية والاستثمار الأجنبي
ونجحت الإصلاحات الاقتصادية، بما فيها زيادة أسعار الوقود، في تعزيز الثقة الدولية بالاقتصاد المصري، حيث أشاد تقرير صندوق النقد الدولي في مارس 2025 بتقدم مصر في تقليص الدعم وتحسين المالية العامة، مما ساهم في ترقية التصنيف الائتماني وجذب استثمارات أجنبية بقيمة 10 مليارات دولار في النصف الأول من 2025.
وهذه الاستثمارات تدعم مشروعات البنية التحتية، مثل تطوير ميناء الإسكندرية ومنطقة قناة السويس الاقتصادية، مما يخلق فرص عمل ويعزز النمو الاقتصادي.
التوقعات المستقبلية للاقتصاد المصري
وتتوقع الحكومة أن تسهم الزيادة في استقرار الأسواق المحلية من خلال تثبيت الأسعار لمدة عام، مما يتيح للشركات والمستثمرين التخطيط بثقة.
كما تدعم الإصلاحات التحول نحو اقتصاد أخضر، مع خطط لزيادة إنتاج الطاقة المتجددة بنسبة 20% بحلول 2030، وهذه الخطوات ستقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري وتعزز مكانة مصر كمركز إقليمي للطاقة النظيفة.
ورغم صعوبتها على المواطنين، تمثل زيادة أسعار الوقود في 2025 خطوة جريئة نحو بناء اقتصاد مصري مستدام وقوي.
ومن خلال تقليص الدعم، تعزيز الإنتاج المحلي، ودعم التحول إلى الطاقة النظيفة، تستعد مصر لتحقيق نمو اقتصادي شامل وجذب المزيد من الاستثمارات، مع استمرار برامج الحماية الاجتماعية والاستثمار في البنية التحتية، يبدو المستقبل واعداً للاقتصاد المصري، الذي يواصل مسيرته نحو الريادة الإقليمية.