السر الذي حير العلماء.. كنوز توت الكاملة تعرض الآن في المتحف المصري الكبير
في حدث يعد من أبرز اللحظات الثقافية العالمية هذا العام، فتح المتحف المصري الكبير أبوابه الرسمية اليوم، ليكشف عن كنوز الملك توت عنخ آمون الكاملة لأول مرة منذ اكتشاف مقبرته قبل أكثر من قرن.
وهذا الافتتاح، الذي طال انتظاره لسنوات بسبب التحديات الاقتصادية والوبائية، يمثل نقلة نوعية في عرض التراث المصري القديم، حيث يجتمع أكثر من 5,000 قطعة أثرية تحت سقف واحد، محاطة بتقنيات عرض تفاعلية حديثة.
ووفقًا لوزارة السياحة والآثار المصرية، سيتم إغلاق المتحف مؤقتًا بعد حفل الافتتاح حتى 3 نوفمبر للتحضيرات النهائية، مع استئناف الزيارات للجمهور يوم 4 نوفمبر، بالتزامن مع الذكرى الـ103 لاكتشاف المقبرة.
يأتي هذا الحدث في وقت يشهد فيه السياحة المصرية انتعاشًا ملحوظًا، حيث يتوقع أن يجذب المتحف ملايين الزوار سنويًا، مساهمًا في تعزيز الاقتصاد الوطني.
والمتحف، الذي يقع على سفح أهرامات الجيزة على مساحة 50 هكتارًا، ليس مجرد مخزن للآثار، بل تجربة غامرة تجمع بين التاريخ والتكنولوجيا، مع إطلالة مباشرة على الأهرامات التي تبعد كيلومترين فقط.
وفي هذا التقارير، من سمارت فاينانس، نكشف عن أسرار كنوز الملك توت غنج أمون المعروضة بالمتحف المصري الكبير.
لحظة غيرت مسار علم الآثار
واكتشاف مقبرة الملك توت عنخ آمون، الفرعون الشاب الذي حكم مصر القديمة بين 1323 و1332 قبل الميلاد، يعد أحد أعظم الإنجازات الأثرية في التاريخ الحديث.
وفي 4 نوفمبر 1922، كشف عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر عن المقبرة KV62 في وادي الملوك بمدينة الأقصر، وهي سليمة تمامًا وغير ملمسة من اللصوص.
وهذا الاكتشاف، الذي وصفه كارتر بأنه "أشياء جميلة للنظر إليها"، أعاد إحياء الاهتمام العالمي بالحضارة المصرية، وأصبحت كنوزه رمزًا للثراء والغموض الفرعوني.
وكانت المقبرة تحتوي على أكثر من 5,398 قطعة أثرية، تشمل أدوات يومية، مجوهرات، وأغراض جنائزية مصممة للحياة الأخيرة.

وقبل نقلها إلى المتحف المصري الكبير، كانت هذه الكنوز موزعة بين المتحف المصري بالتحرير في وسط القاهرة ومخازن أخرى، مما منع عرضها كاملة في مكان واحد.
واليوم مع الافتتاح الرسمي، يعيد المتحف هذه القطع إلى سياقها التاريخي، محافظًا على إرث يعود إلى عصر الدولة الحديثة في مصر القديمة.
أبرز كنوز توت عنخ آمون في المتحف المصري الكبير
وتعد مجموعة توت عنخ آمون الجوهرة التاجية للمتحف، حيث خصص لها جناحان ضخمان بمساحة إجمالية 7,000 متر مربع، مصممان على غرار المقبرة الأصلية في وادي الملوك.
ولأول مرة، ستعرض جميع القطع الـ5,398 معًا، بما في ذلك تلك التي لم تر من قبل، بعد نقلها تدريجيًا منذ مايو 2025.

وفي مايو، وصلت 163 قطعة، تلتها دفعات أخرى، وأخيرًا 23 قطعة في سبتمبر، بما في ذلك التابوت الذهبي الذي عرض لأول مرة منذ 3,300 عام بعد ترميم دقيق في معامل المتحف، ومن أبرز الكنوز:
- القناع الذهبي الشهير: الرمز الأيقوني للملك، مصنوع من الذهب الخالص المرصع بالأحجار الكريمة، يزن 11 كيلوجرامًا ويعرض الآن تحت زجاج مضاد للرصاص بسمك 40 ملم، قرب مدخل الجناح ليكون أول ما يراه الزائر.
- كرسي العرش الذهبي: كرسي مزخرف بالذهب والفضة، يصور مشاهد حميمة للملك مع زوجته أنخ إيسن آمون، ويظهر تفاصيل يومية نادرة عن الحياة الملكية.
- المركبات الست والأسرة الجنائزية الثلاث: تم ترميمها حديثًا في معامل المتحف، وتشمل مركبات صيد مذهبة وأسرة خشبية مصنوعة على شكل حيوانات أسطورية، ترمز إلى رحلة الملك إلى العالم الآخر.
- الأسلحة والدروع: مجموعة فريدة تشمل ست مركبات، سبع عصي رمي، أربعة خناجر، عشرات الأقواس والأسهم، وثمانية دروع، بالإضافة إلى درع فريد مصنوع من النسيج والجلد، وهو الأول من نوعه في الحضارة المصرية القديمة.
- المجوهرات والتماثيل: أكثر من 100 قطعة من القلادات والحلقات المصنوعة من الذهب والعقيق، إلى جانب تماثيل آلهة مثل أنوبيس، وأوشابتي (تماثيل صغيرة للخدم في الحياة الأخيرة).
وتشمل المجموعة أيضًا أدوات يومية مثل الأسرة، الكراسي، والأواني، مما يقدم نظرة شاملة على حياة الملك الشاب الذي توفي في سن 19 عامًا.

تجربة غامرة في قلب التاريخ
وصممت قاعات توت عنخ آمون بواسطة الاستوديو الألماني أتلييه بروكنر، لتقدم روايتين متداخلتين: قصة حياة الملك من جهة، واكتشاف كارتر من جهة أخرى.
ويدخل الزائر عبر ممر يشبه المقبرة الأصلية، مع إسقاطات ثلاثية الأبعاد تعيد إحياء الغرف المكتظة بالكنوز، وإضاءة ذكية تبرز التفاصيل الدقيقة.
وأنظمة التحكم البيئي تحمي القطع الحساسة مثل الذهب والنسيج من الرطوبة والحرارة، بينما تقنيات الواقع الافتراضي تسمح للزوار باستكشاف المقبرة افتراضيًا.
والمتحف نفسه، الذي بدأ بناؤه عام 2002 بتكلفة مليار دولار، يحتوي على أكثر من 100,000 قطعة أثرية، 20,000 منها معروضة لأول مرة، بالإضافة إلى قاعات أطفال تفاعلية وحدائق خارجية.
ويعد المحتف أول متحف في أفريقيا والشرق الأوسط يحصل على شهادة EDGE للبناء الأخضر، مما يعكس التزام مصر بالاستدامة.
دفعة للسياحة المصرية في 2025
ويأتي افتتاح المتحف في وقت مثالي للسياحة المصرية، التي تعافت جزئيًا من جائحة كورونا والتوترات الإقليمية.
ويتوقع أن يزيد من عدد الزوار بنسبة 20%، خاصة مع دمجه في جولات الأهرامات، مما يعزز الإيرادات من الفنادق والنقل.
وزاهي حواس، عالم الآثار البارز، وصف المجموعة بأنها "الرئيس التنفيذي للمتحف"، مشددًا على دورها في تعزيز الفخر الوطني والتبادل الثقافي العالمي.
ومع هذا الافتتاح، لا يعيد المتحف المصري الكبير فقط كنوز توت عنخ آمون إلى الضوء، بل يعيد كتابة فصل جديد في تاريخ مصر الحديثة.