28 مليار دولار في مواجهة الأزمات.. لماذا لجأت مصر 3 مرات لصندوق النقد الدولي؟
في لحظة تتصاعد فيها التساؤلات حول علاقة مصر بصندوق النقد الدولي، خرج الدكتور محمد معيط، المدير التنفيذي وممثل المجموعة العربية بمجلس المديرين التنفيذيين بالصندوق ووزير المالية السابق، ليكشف تفاصيل غير مسبوقة حول أسباب لجوء مصر إلى ثلاثة برامج تمويلية خلال السنوات الأخيرة، مؤكدًا أن هذه الخطوات جاءت استجابة لأزمات استثنائية، وليست نهجًا دائمًا للاقتصاد المصري.
البرنامج الأول 2016.. إنقاذ اقتصاد مُنهك
وخلال تصريحات تلفزيونية عبر فضائية «المحور»، أوضح معيط أن برنامج عام 2016 جاء في أعقاب ظروف داخلية وصفها بـ«الصعبة جدًا»، عقب ثورة 25 يناير، حيث واجه الاقتصاد المصري تحديات هيكلية حادة، أبرزها تراجع الاحتياطي النقدي الأجنبي إلى مستويات مقلقة، إلى جانب صعوبة شديدة في الحصول على تمويلات خارجية.
وأشار إلى أن هذا البرنامج كان نقطة تحول رئيسية، إذ أسهم في استعادة الاستقرار الاقتصادي، ونجح في خفض معدلات التضخم، وتعزيز الاحتياطي النقدي، وتهيئة المناخ لعودة الاستثمارات، مؤكدًا أن النتائج الإيجابية انعكست تدريجيًا على مؤشرات الاقتصاد الكلي.
كورونا تضرب مصادر الدخل.. والبرنامج الثاني يتدخل
وأضاف معيط أن البرنامج الثاني جاء في توقيت بالغ الحساسية، مع اندلاع جائحة كورونا، التي أصابت الاقتصاد العالمي بالشلل، وأدت إلى توقف شبه كامل لقطاع السياحة، إلى جانب تعطل حركة الملاحة والتجارة الدولية.
وأوضح أن هذه التطورات تسببت في تراجع حاد لموارد العملة الصعبة، وهو ما وضع ضغوطًا غير مسبوقة على الاقتصاد المصري، مؤكدًا أن التمويل السريع من صندوق النقد كان ضروريًا لتجاوز الصدمة، والحفاظ على استقرار الأسواق، ومنع تفاقم الأزمات المالية.
الحرب الروسية–الأوكرانية.. وموجة تضخم عالمية
وحول البرنامج الثالث والأخير، أكد معيط أنه جاء في سياق مختلف وأكثر تعقيدًا، مع اندلاع الحرب الروسية–الأوكرانية، وما تبعها من موجة تضخم عالمية، وارتفاع حاد في أسعار الغذاء والطاقة، وهو ما أثر بشكل مباشر على الاقتصادات الناشئة.
وأوضح أن قيمة هذا البرنامج بلغت 8 مليارات دولار، مشيرًا إلى أن إجمالي التمويلات التي حصلت عليها مصر من صندوق النقد بلغ نحو 28 مليار دولار، توزعت بواقع 12 مليار دولار في برنامج 2016، و8 مليارات دولار تمويلًا سريعًا خلال جائحة كورونا، و8 مليارات دولار ضمن البرنامج الأخير.
ما الهدف الحقيقي من برامج الصندوق؟
وشدد «معيط»، على أن برامج صندوق النقد الدولي لا تستهدف الإقراض لمجرد الإقراض، بل تهدف في الأساس إلى مساعدة الدول على استعادة الاستقرار الاقتصادي، موضحًا أن هذا الاستقرار يُترجم عمليًا في خفض معدلات التضخم، وزيادة الاحتياطي النقدي، وتقليل أسعار الفائدة، وخفض الدين العام وخدمته.
وأكد أن الصندوق يعمل كـ«آلية دعم مؤقتة»، تساعد الدول على عبور الفترات الحرجة، وليس كبديل دائم للسياسات الاقتصادية الوطنية.
هل هذا آخر برنامج مع الصندوق؟
وعلّق معيط على تصريحات الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، بشأن أن هذا هو آخر برنامج تمويلي مع صندوق النقد الدولي، مؤكدًا أن القرار في هذا الشأن سيادي بالكامل، وتملكه الحكومة المصرية وحدها، وقال «معيط»: «حكومة أي دولة هي حكومة سيادية، وتقرر ما تراه في صالحها، سواء باللجوء للصندوق أو عدمه».
رسالة حاسمة: الصندوق استثناء لا قاعدة
وفي رسالة وُصفت بأنها الأكثر وضوحًا، أكد معيط أن التعامل مع صندوق النقد الدولي هو أمر استثنائي وليس قاعدة مستمرة، مشددًا على أن اللجوء إليه يكون فقط عندما تفرض الظروف ذلك ولا تتوافر بدائل أخرى.
وأضاف: «طالما الأمور استقرت وأصبحت أفضل، فلا يوجد مبرر للذهاب إلى الصندوق».
بين الأزمات والقرارات الصعبة
وتعكس تصريحات معيط مسارًا اقتصاديًا حافلًا بالتحديات التي واجهتها مصر خلال العقد الأخير، من اضطرابات داخلية، إلى جائحة عالمية، ثم صراعات دولية أثرت على الاقتصاد العالمي بأكمله، مؤكدًا أن القرارات الاقتصادية الصعبة كانت جزءًا من إدارة الأزمات وليس صناعة الأزمات.

