من الاكتفاء الذاتي إلى التصدير العالمي.. قصة نجاح صناعة الدواء المصرية

صناعة الدواء واحدة من أهم القطاعات الاستراتيجية التي تعكس طموح الدولة المصرية لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز مكانتها كمركز إقليمي للتصنيع الدوائي، وبحلول عام 2025، أصبحت مصر لاعبًا رئيسيًا في سوق الأدوية بمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، مدعومة بخطط استراتيجية طموحة، وبنية تحتية متطورة، وشراكات عالمية.
وفي هذا التقرير، من سمارت فاينانس، نستعرض أحدث التطورات في صناعة الدواء المصرية، لنسلط الضوء على إنجازات القطاع، والتحديات التي يواجهها، والآفاق المستقبلية التي تعد بمستقبل واعد.
قفزات نوعية في الإنتاج والتصدير
وتشهد صناعة الدواء في مصر طفرة غير مسبوقة، حيث تغطي الإنتاج المحلي حاليًا 91.5% من احتياجات السوق المحلية، مع خطة طموحة لرفع هذه النسبة إلى 95% بحلول عام 2030.
ووفقًا لتصريحات الدكتور جمال الليثي، رئيس غرفة صناعة الدواء، تمتلك مصر أكثر من 160 مصنعًا دوائيًا تضم 986 خط إنتاج، بطاقة إنتاجية تصل إلى 8 مليارات وحدة سنويًا، مما يتيح تغطية السوق المحلية وتصدير الفائض إلى 170 دولة حول العالم.
وهذا التوسع عزز مكانة مصر كأكبر سوق دوائي في المنطقة من حيث حجم الوحدات المنتجة، مع صادرات دوائية قيمتها 1.167 مليار دولار بحلول 2024، وهدف طموح للوصول إلى 5 مليارات دولار بحلول 2030.
مدينة الدواء ركيزة الطفرة الصناعية
وتعد "مدينة الدواء" في الخانكة بمحافظة القليوبية إحدى أبرز المبادرات التي عززت مكانة مصر كمركز إقليمي للتصنيع الدوائي، حيث تمتد المدينة على مساحة 180 ألف متر مربع، وتضم مصنعين بطاقة إنتاجية تصل إلى 150 مليون عبوة سنويًا.
وتشمل المدينة 15 خط إنتاج للأدوية غير العقيمة، وتغطي احتياجات السوق المحلي من أدوية الأمراض المزمنة مثل الضغط، القلب، الكلى، والأعصاب، بالإضافة إلى أدوية متعلقة بفيروس كورونا.
وتخطط المدينة لدخول مرحلة إنتاج أدوية الأورام والسرطان، مما يوفر هذه العلاجات بأسعار تنافسية، حيث تعتمد المدينة على أحدث التقنيات العالمية، بما في ذلك أنظمة التنظيف الذاتي الإلكتروني ومعايير الجودة العالمية، مما يضمن إنتاج أدوية آمنة وفعالة.

توطين الخامات الدوائية
وتعد صناعة الخامات الدوائية من أهم الركائز لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الاستيراد، وهناك أيضًا أول مدينة للخامات الدوائية في مصر والشرق الأوسط، والتي بدأت العمل في 2024.
وتهدف المدينة إلى إنتاج 300 مادة خام دوائية، مما يقلل فاتورة استيراد الخامات البالغة 1.5 مليار دولار سنويًا، وهذا المشروع، المدعوم بمبادرة "ابدأ" الوطنية، يعتمد على تحالف شركات مصرية وأجنبية مثل "Syschem" الهندية، مما يعزز نقل التكنولوجيا وتطوير الصناعة المحلية.
تحديات البحث العلمي والتسعير
وعلى الرغم من الإنجازات، تواجه الصناعة تحديات كبيرة، أبرزها ضعف البحث العلمي والتطوير، حيث تركز معظم الشركات على إنتاج الأدوية الجنريك بدلاً من ابتكار مركبات جديدة.
كما أن نظام التسعير الإلزامي يحد من التنافسية العالمية للأدوية المصرية، حيث يؤثر سعر بلد المنشأ على إمكانية التصدير.
واقترح الدكتور محيي حافظ، رئيس المجلس التصديري للصناعات الطبية، حلولًا مبتكرة مثل إنتاج إصدارات مخصصة للتصدير بأسعار تنافسية لتجاوز هذه العقبات.
دور هيئة الدواء المصرية
ولعبت هيئة الدواء المصرية دورًا محوريًا في دعم الصناعة، حيث حصلت على اعتمادات دولية مثل مستوى النضج الثالث من منظمة الصحة العالمية في 2022، وعضوية المجلس الدولي لتنسيق متطلبات التسجيل (ICH) في 2023.
كما انضمت الهيئة إلى الشبكة الأوروبية لمعامل مراقبة الأدوية (GEON) في 2025، مما عزز مكانة مصر كمركز تنظيمي إقليمي.
وتساهم الهيئة في تبسيط إجراءات تسجيل الأدوية، وتقديم حوافز استثمارية، ودعم البحث العلمي، مما يعزز الثقة في المنتج المصري عالميًا.
نحو مركز إقليمي وعالمي
وتسير مصر بخطى ثابتة نحو تحقيق رؤيتها لتصبح مركزًا إقليميًا لصناعة الدواء، مدعومة باستثمارات ضخمة بلغت 110 مليارات جنيه، وزيادة بنسبة 20% في خطوط الإنتاج خلال السنوات الأخيرة.
وتشمل الخطط المستقبلية تعزيز البحث العلمي، توسيع الأسواق التصديرية، وتطوير صناعة اللقاحات بتقنيات حديثة، كما تهدف الدولة إلى تحسين البنية التحتية وتدريب الكوادر البشرية لضمان استدامة النمو.
وصناعة الدواء في مصر ليست مجرد قطاع اقتصادي، بل ركيزة أساسية للأمن الصحي والاستقلالية الاقتصادية، ومع استمرار الدعم الحكومي، والشراكات الدولية، والتركيز على الابتكار، تستعد مصر لتكون رائدة عالميًا في هذا المجال.
وبحلول 2030، قد تصبح مصر ليس فقط مركزًا إقليميًا، بل لاعبًا عالميًا ينافس بقوة في سوق الدواء، محققةً حلم الاكتفاء الذاتي وتعزيز الصادرات.