العالم لم يعد يثق في الدولار.. الحكومات والمستثمرين يهربون إلى الذهب بدلاً من السندات الأمريكية

الذهب والدولار
الذهب والدولار

في ظل التوترات الجيوسياسية المتصاعدة والسياسات الاقتصادية غير المتوقعة في الولايات المتحدة، يشهد الاقتصاد العالمي تحولاً جذرياً نحو فقدان الثقة في الدولار الأمريكي، ومع ارتفاع أسعار الذهب إلى مستويات قياسية جديدة، يلجأ المستثمرون إلى التحوط ضده، بينما تقود البنوك المركزية حملة شراء غير مسبوقة للذهب كبديل استراتيجي لاحتياطياتها.

وفي هذا التقرير، من سمارت فاينانس، نستعرض التطورات الأخيرة حول تراجع الثقة في الدولار الأمريكي وتأثيره على الاقتصاد العالمي.

انهيار الثقة في الدولار

وشهد الدولار الأمريكي تراجعاً حاداً في 2025، حيث انخفض مؤشره (DXY) بنسبة 10.8% في النصف الأول من العام، وهو أسوأ أداء منذ 1973، وهذا الانهيار لم يأت من فراغ، بل ناتج عن مزيج من العوامل الاقتصادية والسياسية.

وأحد أبرز الأسباب سياسات الرئيس دونالد ترامب في الدورة الثانية، خاصة التعريفات الجمركية الشاملة المعلنة في أبريل 2025، التي أثارت مخاوف من تباطؤ النمو الأمريكي وارتفاع التضخم.

ووفقاً لتقرير بنك التسويات الدولية (BIS) الصادر في أبريل 2025، أدى ذلك إلى بيع دولاري واسع النطاق، مع تحول المستثمرين الأوروبيين والآسيويين إلى أصول بديلة لتجنب مخاطر التمويل بالدولار.

كما أن ارتفاع الدين العام الأمريكي إلى مستويات غير مستدامة – يتجاوز 130% من الناتج المحلي الإجمالي – دفع المستثمرين إلى التشكيك في قدرة الولايات المتحدة على خدمة ديونها دون طباعة المزيد من العملة، مما يعزز التضخم. 

وتقرير من رويترز في سبتمبر الجاري أشار إلى أن "القلق بشأن استقلالية الاحتياطي الفيدرالي وصحة المالية الأمريكية" أدى إلى هروب رأس المال من الدولار، مع انخفاض حصته في احتياطيات النقد الأجنبي العالمية إلى 57.8% بنهاية 2024، وهو أدنى مستوى منذ 1994.

وهذه التطورات ليست نظرية، ففي الأسابيع الأخيرة، أفاد تقرير IMF بأن 73% من البنوك المركزية تتوقع انخفاضاً معتدلاً أو كبيراً في حيازات الدولار خلال السنوات الخمس القادمة.

وضعف الدولار يعزز الضغوط التضخمية العالمية، مما يجعل التحوط أمراً حتمياً.ت

الذهب كملاذ آمن في وجه الانهيار

وأمام هذا التراجع، يتجه المستثمرون بقوة نحو الذهب كأداة تحوط رئيسية، ففي الربع الثاني من 2025، سجل الذهب ارتفاعاً بنسبة 40% سنوياً، ليصل إلى متوسط 3,280.35 دولار للأونصة، مدعوماً بتدفقات هائلة إلى صناديق الاستثمار المتداولة (ETFs).

ووفقاً لـ WGC، بلغت تدفقات الـ ETFs العالمية 3.2 مليار دولار في يوليو وحده، لتصل إلى 3,616 طن بحلول منتصف العام – أقوى بداية سنوية منذ 2020.

الذهب والدولار
الذهب والدولار

وهذا التحوط ليس عشوائياً، ففي تقرير ABC News، أكد محللون مثل شون كالو من InTouch Capital Markets أن "ارتفاع أسعار الذهب يكشف عن فقدان الثقة في الدولار والاقتصاد الأمريكي.

والمستثمرون الآسيويون، خاصة في الهند والصين، يقودون الطلب الاستهلاكي، بينما يرى الغربيون في الذهب حماية من التقلبات الناتجة عن التعريفات.

وتقرير BlackRock في يناير 2025 يصف الذهب بأنه "متجر قيمة طويل الأمد" في ظل الديون الأمريكية المتزايدة، لا مجرد تحوط قصير الأجل ضد الأسهم.

وهذا التحول يعكس استراتيجية دفاعية، ومع توقعات خفض الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي في سبتمبر 2025، يصبح الذهب أكثر جاذبية مقارنة بالسندات ذات العوائد المنخفضة.

الذهب يحل محل الدولار في الاحتياطيات

وأبرز ملامح هذا التحول هي حملة البنوك المركزية لشراء الذهب، التي أصبحت أكثر حدة في 2025، ووفقاً لاستطلاع WGC لعام 2025، يتوقع 95% من البنوك المركزية زيادة احتياطيات الذهب العالمية خلال الـ12 شهراً القادمة – ارتفاع من 81% في 2024.

وهذا الاتجاه مدفوع بتراكم أكثر من 1,000 طن سنوياً لثلاث سنوات متتالية، مقارنة بـ400-500 طن في العقد السابق.

وفي الربع الأول من 2025، اشترت البنوك 244 طن، بينما بلغ الإجمالي منذ 2022 حوالي 2,700 طن – أسرع وتيرة في التاريخ الحديث، ودول مثل الصين وروسيا والهند تقود هذا التحول، مع تركيز الاقتصادات الناشئة على تنويع الاحتياطيات بعيداً عن الدولار.

وتقرير Fortune في يونيو 2025 أكد أن "البنوك في الجنوب العالمي تتحول إلى الذهب بوتيرة أسرع للحد من التعرض للدولار"، خاصة بعد عقوبات 2022 على روسيا.

والنتيجة مذهلة لأول مرة منذ 1996، يحتفظ البنوك المركزية الأجنبية بكميات أكبر من الذهب مقارنة بسندات الخزانة الأمريكية، كما أفاد تقرير Reuters

وتقرير State Street في 2025 يتوقع وصول الذهب إلى 3,100 دولار، مدعوماً بشراء البنوك وتوترات التجارة، ومع ذلك، قد يواجه الذهب مقاومة قصيرة الأجل إذا تعافى الدولار، لكن الاتجاه طويل الأمد صاعد بفضل De-Dollarization

وفقدان الثقة في الدولار ليس حدثاً عابرًا، إنه تحول هيكلي يعيد تشكيل الاقتصاد العالمي. المستثمرون والبنوك المركزية يراهنان على الذهب كمستقبل، مما يجعله أكثر من مجرد معدن.

تم نسخ الرابط