ثورة الغاز الطبيعي في مصر.. استثمارات بـ1.6 مليار دولار لزيادة أحد أهم مصادر الطاقة في مصر

تشهد مصر طفرة ملحوظة في قطاع الغاز الطبيعي، مع استثمارات جديدة بقيمة 150 مليون دولار من شركة شيفرون الأمريكية لتطوير بئر استكشافي في حقل "سنجر" بالمياه العميقة في البحر المتوسط، حيث يهدف هذا المشروع إلى إضافة حوالي 400 مليون قدم مكعب يوميًا إلى الإنتاج الوطني، مما يعزز من مكانة مصر كمركز إقليمي للطاقة.
تأتي هذه الخطوة ضمن سلسلة من المبادرات التي تهدف إلى زيادة الإنتاج وسط تحديات الطلب المحلي المتزايد، حيث يبلغ الاستهلاك اليومي حوالي 6.2 مليار قدم مكعب، بينما يصل الإنتاج الحالي إلى 4.21 مليار قدم مكعب يوميًا في يوليو 2025.
ويستعرض هذا التقرير، من سمارت فاينانس، تفاصيل هذه الثورة الكبيرة في استكشافات الغاز الطبيعي في القطر المصري.
من اكتشاف ظهر إلى الاكتفاء الذاتي
وانطلقت "ثورة الغاز الطبيعي" في مصر باكتشاف حقل ظهر العملاق عام 2015، الذي يضم احتياطيات تقدر بنحو 30 تريليون قدم مكعب، وبحلول عام 2018، تمكنت مصر من تحقيق الاكتفاء الذاتي، بل وتحولت إلى مصدر للغاز المسال إلى أوروبا وآسيا، محققة إيرادات تصدير بلغت 8.4 مليار دولار في عام 2022.
ومع ذلك، واجه القطاع تحديات مع التراجع الطبيعي في إنتاج حقل ظهر، الذي انخفض من 3 مليارات إلى 1.9 مليار قدم مكعب يوميًا بحلول 2024، مما أجبر مصر على استيراد الغاز المسال بتكلفة مرتفعة.
وفي عام 2025، استعادت مصر زخمها من خلال اكتشافات جديدة تضمنت إضافة 1.85 تريليون قدم مكعب إلى الاحتياطيات خلال العام المالي 2024/2025، عبر 29 اكتشافًا في البحر المتوسط والصحراء الغربية.
وتشير بيانات حديثة إلى أن الإنتاج ارتفع بنسبة 5% شهريًا في يوليو 2025، ليصل إلى حوالي 4.21 مليار قدم مكعب يوميًا، بزيادة 160 مليون متر مكعب عن يونيو، وهذه الإنجازات تعكس استراتيجية طموحة لتحويل مصر إلى مركز طاقة إقليمي، مدعومة بشراكات دولية قوية.الاستثمارات الجديدة: دفعة قوية للإنتاج
وفي خطوة بارزة، تستعد شركة شيفرون لبدء حفر البئر الاستكشافي "سنجر" الشهر المقبل في حقل النرجس، باستثمار 150 مليون دولار، بهدف إنتاج 400 مليون قدم مكعب يوميًا.

ويعد هذا المشروع جزءًا من موجة استثمارات أوسع بلغت 340 مليون دولار في أغسطس 2025، وتشمل هذه الاستثمارات مبادرات من شركات عالمية مثل شل البريطانية، التي تستثمر 120 مليون دولار لحفر ثلاث آبار في بلوك ميرنيث بالبحر المتوسط لإضافة 60 مليون قدم مكعب يوميًا، وإيني الإيطالية، التي تخصص 100 مليون دولار لحفر ثلاث آبار في شرق بورسعيد، مع خطط لرفع إنتاج حقل ظهر إلى ملياري قدم مكعب يوميًا بحلول 2026.
كما تساهم شركة أركيوس إنرجي بـ109 ملايين دولار في شمال دمياط، وتستثمر زاروبيج الروسية 14 مليون دولار في دلتا النيل.
وإلى جانب ذلك، أعلنت شركة بي بي عن زيادة إنتاج حقل ريفين بمقدار 200 مليون قدم مكعب يوميًا قبل أكتوبر 2025، بينما أضافت شركة أباتشي 100 مليون قدم مكعب من الصحراء الغربية.
وهذه المشاريع، التي تجاوزت استثماراتها 1.6 مليار دولار في الربع الثالث من 2025، تأتي مدعومة بجهود الحكومة لسداد 500 مليون دولار من المستحقات المتأخرة للشركاء الأجانب، مع خطط لتسوية 620 مليون دولار إضافية بنهاية العام.
خطوات نحو هدف 6 مليارات قدم مكعب يوميًا
وتسعى مصر إلى رفع إنتاجها من الغاز الطبيعي إلى 6 مليارات قدم مكعب يوميًا بنهاية 2025، بزيادة 30% عن المستويات الحالية.
وفي سبتمبر الجاري، أضافت شركة خالدة للبترول 50 مليون قدم مكعب يوميًا من بئر NUT-1 في الصحراء الغربية، بينما ساهمت شركة البرلس للغاز بـ60 مليون قدم مكعب من بئرين جديدتين في غرب الدلتا.
كما أعلنت إيني عن إضافة 65 مليون قدم مكعب من بئر ظهر-6، مع خطط لحفر بئر ظهر-13 لإضافة 55 مليون قدم مكعب إضافية، وهذه الجهود المتواصلة تهدف إلى تقليص الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك، مما يقلل الاعتماد على استيراد الغاز المسال، الذي بلغ 50 شحنة في 2025.
توفير مليارات وجذب الاستثمارات
وتسهم هذه الثورة الغازية في توفير نحو 1.5 مليار دولار كل ستة أشهر من فاتورة الاستيراد، مع توقعات باستئناف التصدير بحلول 2027 عندما يصل الإنتاج إلى 6.6 مليار قدم مكعب يوميًا.
وأكد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أن تسوية المستحقات شجعت الشركاء الأجانب على زيادة استثماراتهم، مما أدى إلى إضافة 200 مليون قدم مكعب يوميًا منذ أغسطس 2025، وتوفير 3.6 مليار دولار من الواردات.
كما تدعم هذه الاستثمارات القطاع البتروكيماوي، الذي يستهدف استثمارات بقيمة 38 مليار دولار خلال السنوات الأربع المقبلة، ويسهم بنسبة 3% من الناتج المحلي.
وفي إطار الشراكات الإقليمية، أبرمت مصر اتفاقية بقيمة 35 مليار دولار مع شركاء حقل ليفياثان الإسرائيلي لاستيراد الغاز، مع خطط لبناء خط أنابيب نيتزانا بتكلفة 400 مليون دولار لنقل 600 مليون قدم مكعب يوميًا بحلول 2028.
وتمثل ثورة الغاز الطبيعي في مصر نموذجًا للتحول الاقتصادي، حيث انتقلت البلاد من الاعتماد على الاستيراد إلى بناء قدرات إنتاجية تدعم الاقتصاد الوطني، ومع استمرار الاستثمارات والشراكات الدولية، تتجه مصر نحو تحقيق رؤيتها كمركز طاقة إقليمي مستدام.