270 ألف وظيفة وصادرات بملايين الدولارات.. أسرار نهضة صناعة الجلود المصرية

تتألق صناعة الجلود في مصر كواحدة من أعمدة الاقتصاد الوطني، حاملةً إرثًا تاريخيًا يمتد لآلاف السنين، منذ أيام الفراعنة الذين برعوا في تحويل جلود الحيوانات إلى منتجات متينة وأنيقة، وفي عام 2025، تشهد هذه الصناعة طفرة ملحوظة، مدفوعة بجهود حكومية طموحة لتعزيز التصنيع المحلي وزيادة الصادرات.
ومع استمرار تطور مدينة الروبيكي للجلود كمركز إقليمي رائد، وتوسع الاستثمارات الأجنبية، أصبحت مصر على أعتاب استعادة مكانتها العالمية في هذا القطاع الحيوي.
وفي هذا التقرير، من سمارت فاينانس، نستعرض أحدث التطورات والتحديات التي تواجه صناعة الجلود في مصر، مع التركيز على المعلومات المحدثة التي تعكس واقع هذه الصناعة في سبتمبر 2025.
مدينة الروبيكي قلب الصناعة النابض
وتعد مدينة الروبيكي للجلود، التي تمتد على مساحة 500 فدان، نقلة نوعية في مسيرة هذا القطاع، وبحسب تقارير حديثة، أكملت المدينة أكثر من 90% من المرحلة الأولى لتطويرها، والتي تضم نقل 195 مدبغة من منطقة سور مجرى العيون إلى موقعها الجديد.
وهذا المشروع، الذي يعتبر الأول من نوعه في الشرق الأوسط وأفريقيا، يهدف إلى إنشاء سلسلة إمداد متكاملة تشمل دباغة الجلود، تصنيع المنتجات النهائية مثل الأحذية والحقائب، وصولاً إلى التصدير.
وتشير البيانات إلى أن المدينة تضم حاليًا 100 مصنع مكتمل التجهيز، مع خطط لتسليم 36 مصنعًا إضافيًا للمستثمرين خلال عام 2025، بما يعزز القدرة الإنتاجية ويرفع القيمة المضافة للمنتجات المصرية.
أرقام واعدة وصادرات متصاعدة
وتظهر الإحصاءات الحديثة أن صناعة الجلود تحتل المرتبة الخامسة بين القطاعات الصناعية في مصر من حيث العمالة وعدد المنشآت، حيث توفر 270 ألف فرصة عمل مباشرة وتضم 17,600 منشأة، منها 3,000 منشأة صغيرة ومتوسطة.
وقد سجلت صادرات الجلود والأحذية قفزة كبيرة في الربع الأول من 2025، حيث بلغت 28.9 مليون دولار، مقارنة بـ 16 مليون دولار في نفس الفترة من عام 2024، بنمو نسبته 80%.
ومع ذلك، شهدت صادرات الجلود الخام تراجعًا طفيفًا إلى 5.7 مليون دولار، مما يعكس التركيز المتزايد على تصدير المنتجات النهائية ذات القيمة المضافة العالية.
وتتوقع الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات أن تتجاوز صادرات القطاع 300 مليون دولار سنويًا بحلول عام 2026، مدعومة بمبادرات مثل معرض القاهرة الدولي للجلود.

وهذا المعرض، الذي سيعقد في دورته التاسعة عشرة من 23 إلى 25 يناير 2026، سيشهد مشاركة 120 شركة محلية وأجنبية، مع وفود من 11 دولة عربية وأفريقية وآسيوية، بهدف تعزيز التبادل التجاري وزيادة الصادرات إلى الأسواق الإقليمية.
جهود حكومية لتعزيز القطاع
وتسعى الحكومة المصرية إلى تحويل مصر إلى مركز إقليمي لصناعة الجلود من خلال مبادرات مثل حظر تصدير الجلود الخام، بهدف دعم التصنيع المحلي وتقليل الاعتماد على الواردات، التي بلغت 132 مليون دولار في 2023.
كما تقدم الدولة حوافز استثمارية تشمل تمويلًا بنسبة 90% لشراء الوحدات الصناعية في الروبيكي، مع فترات سداد تصل إلى 10 سنوات، إلى جانب زيادة بنسبة 50% في برنامج رد أعباء الصادرات.
وتعمل وزارة الصناعة على جذب الاستثمارات الأجنبية، خاصة من إيطاليا، لتوطين صناعة كيماويات الدباغة ونقل التكنولوجيا المتقدمة.
مستقبل مشرق مع رؤية طموحة
وتظل صناعة الجلود في مصر ركيزة اقتصادية واعدة، مدعومة بوفرة المواد الخام، التي تقدر بـ123 مليون قدم مربع سنويًا، وإرث تاريخي غني.
ومع استكمال مدينة الروبيكي وتوسع المعارض الدولية، تتجه مصر نحو مضاعفة إنتاج الجلود إلى 250 مليون قدم مربع سنويًا، مما سيوفر 25 ألف فرصة عمل إضافية ويعزز القدرة التنافسية في الأسواق العالمية.
وإن الجمع بين الدعم الحكومي، التكامل الصناعي، والاستثمارات الأجنبية يضع مصر على الطريق الصحيح لاستعادة مكانتها كعاصمة إقليمية لصناعة الجلود.
وتظهر صناعة الجلود في مصر في عام 2025 مزيجًا من الإنجازات الملموسة والتحديات التي تتطلب حلولًا مبتكرة، ومع استمرار الجهود الحكومية والتعاون مع القطاع الخاص، يبدو المستقبل مشرقًا لهذه الصناعة العريقة، التي تجمع بين التراث والحداثة في نسيج اقتصادي متين.