صناعة مكونات الطائرات في مصر.. رحلة طموح من حلوان إلى العالمية

صناعة مكونات الطائرات
صناعة مكونات الطائرات

في قلب مدينة حلوان الصناعية، تكتب مصر فصلاً جديدًا في مسيرتها الصناعية عبر توطين صناعة مكونات الطائرات، ومنذ إنشاء مصنع الطائرات عام 1950، كانت مصر تزرع بذور الريادة في هذا القطاع الاستراتيجي، واليوم، في عام 2025، تحصد ثمار هذا الإرث عبر خطوات طموحة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي وتصدير التكنولوجيا إلى الأسواق العالمية.

ويأتي هذا التقرير، من سمارت فاينانس، ليسلط الضوء على آخر التطورات في صناعة مكونات الطائرات في مصر، مع التركيز على المبادرات الحديثة والشراكات الدولية التي تعزز مكانة البلاد كمركز إقليمي لهذه الصناعة الحيوية.

مسيرة تاريخية وإرث صناعي

وبدأت رحلة مصر في صناعة الطائرات مع تأسيس مصنع الطائرات بحلوان عام 1950، الذي أنتج طائرات تدريب مثل "جمهورية" و"القاهرة 200" و"القاهرة 300"، وهي الأولى من نوعها كنموذج نفاث مصري، وهذه الطائرات شكلت العمود الفقري لتدريب الطيارين المصريين لعقود.

وفي العقود الأخيرة، شهدت الصناعة طفرة نوعية، حيث نجح المصنع في إنتاج 120 طائرة تدريب حربية من طراز K-8E بنسبة تصنيع محلي وصلت إلى 94%، مما عزز قدرات القوات الجوية المصرية.

شراكات دولية ونقل التكنولوجيا

وفي عام 2025، تواصل مصر تعزيز مكانتها من خلال شراكات استراتيجية مع كبرى الشركات العالمية، ومن أبرز هذه الشراكات، التعاون مع شركة "داسو" الفرنسية، المصنعة لمقاتلات "رافال"، حيث نجح مركز التصنيع الرقمي بمصنع المحركات التابع للهيئة العربية للتصنيع في توطين تصنيع هياكل محركات الطائرات، وحصل على اعتماد من سلطة الطيران الفيدرالي (FAA) كمركز للتصنيع والإصلاح.

كما يجري التعاون مع شركة "سافران" الفرنسية لدراسة إنشاء مدرسة فنية متخصصة في صناعة محركات الطائرات، بهدف إعداد كوادر مؤهلة لتلبية احتياجات السوق المحلي والعالمي.

وخلال معرض مصر الدولي للطيران والفضاء 2024 بالعلمين، أعلن اللواء طارق عبد الفتاح، رئيس مصنع الطائرات، عن دراسة عروض من شركات عالمية من الصين وكوريا وإيطاليا لتزويد مصر بطائرات تدريب متقدمة، مع اشتراط نقل تكنولوجيا التصنيع وإقامة خطوط إنتاج محلية، وهذا النهج يعكس استراتيجية مصر لتعميق التصنيع المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد.

صناعة مكونات الطائرات
صناعة مكونات الطائرات

الطائرات المسيرة قفزة نحو المستقبل

وتشهد صناعة الطائرات المسيرة في مصر تطورًا ملحوظًا، حيث تطمح البلاد لتصنيع طائرة مسيرة مصرية بنسبة 100% بحلول 2030.

ويركز مصنع الطائرات على تطوير الأنظمة الداخلية، مثل أجهزة الملاحة والطيار الآلي، بالتعاون مع شركات عالمية.

ومعرض "إيديكس 2023" أظهر تنوع الطائرات المسيرة المصرية، التي تستخدم في مهام الاستطلاع والهجمات الدقيقة، مثل طائرة "وينج لونج-1D" بحمولة 480 كجم ومدى 4000 كم، وهذه الطفرة تعزز القدرات الدفاعية والهجومية للجيش المصري، خاصة بعد نجاح استخدام المسيرات في عمليات مكافحة الإرهاب بشمال سيناء.

التعليم الفني وبناء جيل المستقبل

ولتأهيل كوادر بشرية تلبي متطلبات هذه الصناعة الدقيقة، أنشئت مدرسة صناعة الطائرات عام 2024 بالتعاون بين الهيئة العربية للتصنيع، وزارة التربية والتعليم، وشركة "داسو".

وتعد هذه المدرسة، التي تعتبر الأولى من نوعها في الشرق الأوسط، خطوة استراتيجية لتدريب الشباب على أحدث تقنيات تصنيع الطائرات.

وتوفر المدرسة شهادات معتمدة دوليًا، وتُدرّس بمناهج فرنسية تحت إشراف خبراء مصريين وأجانب، حيث يحصل الخريجون على دبلوم في صناعة الطائرات، مع فرص عمل واعدة محليًا ودوليًا، حيث يعد التخصص مطلوبًا بشدة.

ومع استمرار الاستثمار في البنية التحتية والكوادر البشرية، ترسخ مصر مكانتها كمركز إقليمي لصناعة الطيران، والشراكات مع عمالقة الصناعة مثل "داسو" و"سافران"، إلى جانب التركيز على الطائرات المسيرة والتعليم الفني، تجعل مصر على أعتاب قفزة نوعية.

وهذه الجهود لا تعزز القدرات الدفاعية فحسب، بل تسهم في دفع عجلة الاقتصاد الوطني وفتح أسواق تصدير جديدة.

وفي عام 2025، تقف مصر على أرض صلبة في صناعة مكونات الطائرات، مدعومة بتاريخ عريق وطموح لا حدود له، ومن خلال الجمع بين الإرث الصناعي، والشراكات الدولية، والاستثمار في الشباب، تعيد مصر تعريف مكانتها في سماء الطيران العالمية، وتؤكد أنها ليست مجرد لاعب إقليمي، بل شريك عالمي في صناعة المستقبل.

تم نسخ الرابط