لماذا يظل الذهب الملاذ الآمن المفضل للمستثمرين رغم تقلبات الأسواق؟

يواصل الذهب جذب أنظار المستثمرين كأكثر أدوات الادخار أمانًا في ظل تصاعد المخاطر الجيوسياسية وارتفاع معدلات التضخم عالميًا، ومع تراجع الثقة في العملات الورقية، تتزايد حيازة البنوك المركزية والمستثمرين للأصول الذهبية لحماية الثروة من تقلبات الأسواق، ففي عالم يتغير كل يوم وتتقلب فيه أسعار الفائدة وسعر صرف الدولار، يبقى الذهب هو الأصل الوحيد الذي لم يفقد مكانته كملاذ آمن للمستثمرين، فمنذ آلاف السنين وحتى اليوم، لا يزال المعدن الأصفر يُنظر إليه باعتباره رمزًا للثبات في زمن الاضطراب، ووسيلة لحماية الثروة من الانهيارات الاقتصادية أو الأزمات السياسية.
الذهب حائط الصد أمام التضخم
السبب الأول الذي يجعل الذهب أكثر أمانًا هو قدرته على الاحتفاظ بالقيمة الحقيقية على المدى الطويل، فعندما ترتفع معدلات التضخم وتفقد العملات الورقية جزءًا من قوتها الشرائية، يظل الذهب محافظًا على قيمته، بل وغالبًا ما ترتفع أسعاره مع زيادة التضخم.
ويفسر الاقتصاديون ذلك بأن الذهب لا يرتبط بسياسات نقدية أو بقرارات حكومية، بل بقوى العرض والطلب العالمية، مما يجعله أكثر استقرارًا مقارنةً بالعملات أو الأسهم.
في السنوات الأخيرة، ومع ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة وأوروبا إلى مستويات غير مسبوقة منذ الثمانينيات، لجأ المستثمرون بكثافة إلى شراء الذهب للتحوط من تآكل قيمة النقد، وهو ما ساهم في تسجيل الأسعار مستويات قياسية قاربت 3900 دولار للأونصة في الأسواق العالمية.
الاضطرابات الجيوسياسية تعزز الطلب
في فترات عدم اليقين السياسي أو تصاعد النزاعات، يصبح الذهب ملاذًا نفسيًا واقتصاديًا في آنٍ واحد، فالأزمات مثل الحرب الروسية الأوكرانية، أو التوترات في الشرق الأوسط، أو تباطؤ الاقتصاد الصيني، تدفع المستثمرين إلى تحويل أموالهم نحو أصول مضمونة القيمة لا تتأثر بالقرارات المفاجئة أو العقوبات الاقتصادية.
ومن الملفت أن البنوك المركزية حول العالم زادت من مشترياتها من الذهب خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، في توجه يعكس رغبتها في تنويع احتياطاتها بعيدًا عن الدولار الأمريكي، ما يعزز مكانة الذهب كركيزة في النظام المالي العالمي.
الذهب مقابل الدولار والفائدة
عادة ما تكون العلاقة بين الذهب وسعر الفائدة الأمريكية عكسية؛ فكلما ارتفعت الفائدة، يقل الطلب على الذهب لغياب العائد الثابت منه، والعكس صحيح، لكن في المرحلة الحالية، ورغم تشديد السياسة النقدية الأمريكية، حافظ الذهب على جاذبيته بفضل حالة عدم اليقين الاقتصادي، وتوقعات الأسواق بأن دورة رفع الفائدة تقترب من نهايتها، ما أعاد للمعدن الأصفر بريقه كخيار استثماري طويل الأجل.
أداة تنويع للمحافظ الاستثمارية
إلى جانب كونه ملاذًا آمنًا، يعتبر الذهب أحد أهم أدوات تنويع المحافظ الاستثمارية، إذ توصي المؤسسات المالية الكبرى بحيازة ما بين 5% و10% من أصول المستثمر في صورة ذهب أو صناديق مرتبطة به، لتقليل المخاطر الناتجة عن تراجع الأسهم أو السندات، حيث تتجه بعض الدول النامية إلى تسعير جزء من تعاملاتها التجارية بالذهب، في خطوة تهدف إلى تعزيز استقلالها النقدي وتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي، وهو توجه يُتوقع أن يتوسع خلال العقد المقبل.
يرى محللون أن الذهب سيظل محتفظًا بجاذبيته خلال السنوات القادمة، خصوصًا في ظل استمرار التوترات الجيوسياسية وضعف الثقة في العملات الورقية. ومع توقعات تباطؤ الاقتصاد العالمي، قد يشهد المعدن الأصفر مرحلة جديدة من الارتفاعات التاريخية مدعومًا بتزايد الطلب الاستثماري والمؤسسي عليه.