عودة عملاق المتوسط.. "حقل ظهر" يستعيد مجده ويرفع إنتاج مصر من الغاز بـ70 مليون قدم مكعب يوميًا
في خطوة استراتيجية تعكس الجهود المستمرة لتعزيز قطاع الطاقة في مصر، أعلنت وزارة البترول والثروة المعدنية نجاح حفر بئر جديدة في حقل ظهر للغاز الطبيعي بالبحر المتوسط، مما يعيد الحقل تدريجياً إلى مستويات إنتاجه السابقة.
ويأتي هذا الإنجاز في وقت حاسم يشهد فيه السوق المحلي ضغوطاً متزايدة على الطاقة، وسط توقعات بزيادة الإنتاج بنسبة تصل إلى 70 مليون قدم مكعب يومياً من هذه البئر وحدها.
ويعد حقل ظهر، الذي اكتشف عام 2015، أحد أكبر حقول الغاز في البحر المتوسط، ويشكل عموداً فقرياً للاقتصاد المصري، حيث يساهم حالياً بنحو 23% من إجمالي إنتاج الغاز الوطني.
وفي هذا التقرير، من سمارت فاينانس، نستعرض التفاصيل الكاملة لعودة حقل ظهر إلى سابق عهده بعد فترة من تراجع الإنتاج.
حقل ظهر من الاكتشاف إلى الذروة الإنتاجية
وبدأت قصة حقل ظهر في أغسطس 2015، عندما أعلنت شركة إيني الإيطالية، الشريك الرئيسي في المشروع، عن اكتشاف هائل يقدر احتياطيه بنحو 30 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، مما يعادل 5.4 مليار برميل نفط.
ويقع الحقل ضمن منطقة امتياز "شروق"، على بعد 190 كيلومتراً شمال بورسعيد، في مياه عميقة تصل إلى 1,450 متراً.
وكان هذا الاكتشاف نقطة تحول تاريخية، حيث حول مصر من دولة مستوردة للغاز إلى مصدرة صافية بحلول عام 2018، وبلغ الإنتاج ذروته عند 2.8 مليار قدم مكعب يومياً في الربع الثالث من 2021.
في ديسمبر 2017، دخل الحقل مرحلة الإنتاج الفعلي بسرعة قياسية، مدعوماً باستثمارات بلغت 12 مليار دولار حتى الآن، مع خطط لإضافة 15 مليار دولار إضافية على مدار الثلاث سنوات القادمة.
وساهم ذلك في تلبية احتياجات السوق المحلي، الذي يعتمد على الغاز بنسبة 80% لتوليد الكهرباء، ودعم الصادرات إلى أوروبا عبر مصانع الغاز الطبيعي المسال (LNG).
ومع ذلك، واجه الحقل تحديات طبيعية مثل تقادم الآبار وتدفق المياه غير المتوقع، مما أدى إلى انخفاض الإنتاج بنسبة تصل إلى 50% بحلول نهاية 2023، ودفع مصر إلى استيراد الغاز مرة أخرى.
انخفاض وتوقف مؤقت
وشهد حقل ظهر تراجعاً ملحوظاً في الإنتاج خلال السنوات الأخيرة، حيث انخفض الإنتاج اليومي إلى 1.9 مليار قدم مكعب في النصف الأول من 2024، مقارنة بذروته السابقة.
والأسباب الرئيسية تشمل الضغط المنخفض على الخزان، تدفق المياه في بعض الآبار (مما أدى إلى إغلاق 17 بئراً فنياً)، وتأخر سداد مستحقات الشركاء الأجانب، خاصة إيني، التي بلغت 1.6 مليار دولار، قبل أن تعيد الحكومة سداد المستحقات للشركات الأجنبية.
وبلغت الفاتورة الاستيرادية للغاز نحو مليار دولار سنوياً، مع تأثير مباشر على الصناعات الثقيلة مثل الصلب والأسمنت.
كما أثرت التوترات الإقليمية، مثل الحرب بين إيران وإسرائيل في يونيو 2025، على إمدادات الغاز من حقول إسرائيلية مجاورة، مما دفع مصر إلى شراء وقود ثقيل إضافي بقيمة مليون طن.

الجهود الحديثة للعودة إلى السابق
ومع حلول عام 2025، شهد الحقل عودة قوية للأنشطة التنموية، ففي يناير 2025، عادت سفينة الحفر "سايبم 10000" إلى الموقع لاستئناف العمليات، مدعومة بسداد جزء من المستحقات لإيني، مما أعاد ثقة الشركاء الأجانب.
وأعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في نوفمبر 2024 أن الإنتاج سيعود إلى مستوياته السابقة، مع خطط لحفر 20 بئراً جديداً وإصلاح 5 آبار إضافية.
والإنجاز الأبرز في أكتوبر الجاري هو إكمال حفر البئر "ظهر-9"، التي كشفت عن طبقة غازية جديدة تسمح بإنتاج 70 مليون قدم مكعب يومياً، باستثمارات 70 مليون دولار.
ويتبع ذلك حفر بئرين تنمويين إضافيين في العام المالي الحالي، بالإضافة إلى بئر استكشافية "دنيس W-1X" قبالة بورسعيد باستخدام الحفار المصري "القاهر-2".
وهذه الجهود، التي تشمل شركاء مثل BP، روسنفت، ومبادلة الإماراتية، تهدف إلى زيادة الإنتاج إلى 2.3 مليار قدم مكعب يومياً قريباً، مع الالتزام بمعايير السلامة البيئية لتقليل حرق الغاز.
تقليل الاستيراد وتعزيز الصادرات
ويعود إنتاج حقل ظهر إلى سابق عهده ليحدث نقلة نوعية في الاقتصاد المصري، وحالياً يغطي الحقل نحو 20% من الاستهلاك المحلي، ويقلل الفاتورة الاستيرادية بنحو مليار دولار سنوياً.
ومع الزيادة المتوقعة، ستتمكن مصر من استئناف الصادرات إلى أوروبا، خاصة بعد تعافي أسعار الغاز العالمية، مما يدعم الموازنة العامة ويحقق فائضاً في الطاقة، وهو ما ترتب عليه تصدير أول شحنتين من الغاز المصري إلى أوروبا.
ويعزز ذلك من مكانة مصر كمركز إقليمي للغاز، مع خطط لربط الحقل بمحطات معالجة جديدة لزيادة معدل الاسترداد.
وبالإضافة إلى ذلك، يساهم الحقل في دعم الصناعات التحويلية، حيث يوفر طاقة رخيصة للصلب والأسمدة، ويقلل من انقطاعات الكهرباء التي أثرت على 2024.
استراتيجية التنمية المستدامة للحقل
وتنظر الاستراتيجية المستقبلية للحقل إلى حفر أكثر من 200 بئر على مدى عمره الإنتاجي، مع التركيز على التكنولوجيا المتقدمة لمواجهة تقادم الخزان.
وتخطط إيني لاستثمار 200 مليون دولار في بئر جديدة بربع 2026، بينما تؤكد وزارة البترول على تعزيز الشراكات الدولية لجذب 30 مليار دولار استثمارات أجنبية مباشرة.
كما تشمل الخطط تطوير بنية تحتية بيئية، مثل محطات معالجة المياه، لضمان استدامة الإنتاج حتى 2045.
ويمثل عودة حقل ظهر لسابق عهده شاهداً على قدرة مصر على التغلب على التحديات، مدعوماً بسياسات حكومية جريئة وشراكات استراتيجية.
وهذا الإنجاز ليس مجرد زيادة إنتاجية، بل خطوة نحو اقتصاد أكثر أماناً واستقلالية، يعزز من مكانة مصر في سوق الطاقة العالمي. مع استمرار هذه الجهود، يتوقع الخبراء أن يعود الحقل إلى دوره كمحرك رئيسي للنمو، محققاً التوازن بين الاحتياجات المحلية والفرص التصديرية.