سفينة بـ 12 مليون دولار شهريًا.. لماذا قررت مصر التخلص من "إينرجيوس فورس"؟

سفن التغويز
سفن التغويز

في خطوة مفاجئة أثارت تساؤلات واسعة في أوساط الخبراء الاقتصاديين، أعلنت الحكومة المصرية إنهاء عقد إيجار سفينة التغويز "إينرجيوس فورس" الراسية في ميناء العقبة الأردني، بعد ستة أشهر فقط من تشغيلها.

وهذه السفينة، التي كانت جزءاً من اتفاق تعاون إقليمي بين مصر والأردن لتعزيز إمدادات الغاز الطبيعي، أصبحت الآن رمزاً للتحولات السريعة في سوق الطاقة الإقليمي، ووسط استقرار أسعار الغاز العالمية وتحسن الإنتاج المحلي، يبدو أن القاهرة تراهن على بنيتها التحتية الداخلية لتجنب التكاليف الإضافية، مما يعكس استراتيجية أكثر كفاءة لإدارة أزمة الطاقة التي شهدتها البلاد خلال الصيف الماضي.

وفي هذا التقرير، من سمارت فاينانس، نستعرض خلفيات القرار، أسبابه الرئيسية، والتداعيات المحتملة على الاقتصاد المصري.

التعاون المصري الأردني في مواجهة نقص الغاز

ويعود قرار إيجار سفينة "إينرجيوس فورس" إلى أبريل 2025، عندما وقعت مصر اتفاقاً مع الأردن لاستخدام هذه الوحدة العائمة لإعادة تغويز الغاز الطبيعي المسال في ميناء العقبة.

وكانت السفينة، التي تبلغ سعة تخزينها 170 ألف متر مكعب وطاقتها اليومية 800 مليون قدم مكعب، جزءاً من خطة طوارئ مشتركة لسد الفجوة في إمدادات الغاز، خاصة بعد توقف التوريدات بسبب التوترات الإقليمية في الشرق الأوسط.

وفي ذلك الوقت، كانت مصر تواجه ذروة الاستهلاك الصيفي، حيث بلغ الطلب على الغاز أكثر من 180 مليار قدم مكعب يومياً لتشغيل محطات الكهرباء والصناعات.

وفقاً لتصريحات وزير البترول كريم بدوي في يونيو الماضي، كان الهدف تعزيز القدرة الإجمالية للتغويز إلى 2.7 مليار قدم مكعب يومياً من خلال دمج هذه السفينة مع ثلاث وحدات أخرى راسية في ميناء العين السخنة ودمياط.

أما الأردن، الذي يعتمد بنسبة 15% على الغاز المصري عبر خطوط الأنابيب، فقد وافق على مشاركة التكاليف مقابل ضمان حصة يومية تصل إلى 100 مليون قدم مكعب.

وخلال الأشهر الستة الأولى، ساهمت السفينة في تغويز نحو 50 شحنة LNG، مما ساعد مصر على تجنب انقطاعات كهرباء واسعة النطاق.

الأسباب الرئيسية للاستغناء

وأفاد مسؤول حكومي مصري لـ"بلومبرج"، بأن السبب الرئيسي لإنهاء العقد هو "استقرار واردات الغاز من الدول المجاورة وعدم الحاجة المستمرة لهذه السفينة".

ومع عودة التوريدات إلى مستوياتها الطبيعية (حوالي مليار قدم مكعب يومياً)، وتعزيز الإنتاج المحلي من حقول نور وظهر، انخفض الاعتماد على الوحدات العائمة بنسبة 30%.

الغاز الطبيعي
الغاز الطبيعي

والمنظومة المحلية الحالية – التي تشمل أربع سفن راسية في العين السخنة ورصيف "المتحدة للغاز" في دمياط – توفر الآن طاقة كافية لتغطية الطلب اليومي دون الحاجة إلى إضافات خارجية.

وبالإضافة إلى ذلك، أشارت تقارير إلى أن التكاليف التشغيلية للسفينة في العقبة كانت أعلى من المتوقع، بسبب رسوم النقل عبر خطوط الأنابيب الأردنية وصيانة الوحدة في بيئة بحرية قاسية.

وخلال الستة أشهر، بلغت التكلفة الإجمالية حوالي 72 مليون دولار، مقابل فائدة مؤقتة في فصل الصيف، ومع انخفاض أسعار الغاز المسال العالمي إلى 8 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في نوفمبر 2025، أصبح الاستيراد المباشر أكثر جاذبية اقتصادياً.

كما أن الحكومة، في إطار خطة الطوارئ الوطنية، ركزت على تنويع المصادر، بما في ذلك صفقات مع قطر والنرويج، مما قلل من الضغط على الاتفاقات الإقليمية.

توفير الميزانية ودعم شبكة الكهرباء

ويقدر الخبراء أن إنهاء الإيجار سيوفر لمصر نحو 100 مليون دولار سنوياً، مما يعزز ميزانية قطاع الطاقة الذي يعاني من عجز يصل إلى 5 مليارات دولار.

وهذا التوفير يأتي في وقت حاسم، حيث أنفقت الحكومة 300 مليون دولار إضافية في الصيف الماضي على تشغيل محطات بالمازوت بدلاً من الغاز، مما أدى إلى خسائر تشغيلية تقدر بـ215 مليون دولار في الصيانة وحدها.

والآن، مع الاعتماد على المنظومة المحلية، من المتوقع أن تنخفض معدلات انقطاع الكهرباء بنسبة 40% خلال موسم الشتاء 2026.

ويرى القرار كدليل على نجاح الاستراتيجية الاستباقية التي أطلقتها الحكومة في مارس 2025، والتي شملت استئجار ثلاث سفن إضافية ("إنرجوس باور" و"هوج جاليون") لتعزيز القدرات الداخلية.

نحو استقلال الطاقة

ويعد قرار مصر بالاستغناء عن سفينة "إينرجيوس فورس" خطوة استراتيجية تعكس نضجاً في إدارة موارد الطاقة، رغم التحديات الإقليمية المستمرة.

ومع توقعات بزيادة الإنتاج المحلي إلى 5.5 مليار قدم مكعب يومياً بحلول 2027، من خلال حقول نرجس ونور، يبدو أن القاهرة قد تجاوزت مرحلة الاعتماد على الحلول المؤقتة. 

تم نسخ الرابط