إنتاج الذهب في مصر.. كيف تصل إلى 800 ألف أونصة سنويًا؟
في ظل التحديات الاقتصادية العالمية، يبرز قطاع التعدين كركيزة أساسية لتنويع مصادر الدخل في مصر، ومع ارتفاع أسعار الذهب عالميًا إلى أعلى مستوياته، تسعى الحكومة المصرية إلى تعزيز إنتاجها من هذا المعدن الثمين، بهدف الوصول إلى 800 ألف أونصة سنويًا بحلول عام 2030.
وهذا الهدف الطموح يأتي بعد قفزة ملحوظة في الإنتاج خلال العام المالي 2024-2025، حيث بلغ 640 ألف أونصة، بزيادة 14% عن العام السابق، محققًا مبيعات تجاوزت 1.5 مليار دولار أمريكي.
وفي هذا التقرير، من سمارت فاينانس، نستعرض الخطط الحكومية، الإصلاحات، والمناجم الرئيسية التي ستدفع مصر نحو هذا الإنجاز.
من 640 ألف أونصة إلى هدف 800 ألف بحلول 2030
وشهد قطاع تعدين الذهب في مصر نموًا استثنائيًا خلال العام المالي 2024-2025، حيث ارتفع الإنتاج إلى 640 ألف أونصة، مقارنة بـ559 ألف أونصة في العام السابق، وفقًا لتصريحات وزير البترول والثروة المعدنية، المهندس كريم بدوي، خلال منتدى مصر للتعدين 2025.
وهذه الزيادة بنسبة 14% تعكس نجاح الإصلاحات الحكومية في جذب الاستثمارات الأجنبية، حيث سجلت مبيعات الذهب والفضة ارتفاعًا بنسبة 57% لتصل إلى 1.5 مليار دولار، بينما بلغت صادرات الخامات التعدينية 1.4 مليون طن، بزيادة 39%.
وتتوقع الوزارة زيادة الإنتاج بنسبة 7-10% خلال العام المالي 2025-2026، ليصل إلى نحو 700 ألف أونصة، مدعومًا بخطط شركات التعدين العالمية مثل "أنجلو غولد أشانتي" لإضافة 40-50 ألف أونصة سنويًا حتى 2030.
وهذا النمو ليس عشوائيًا، بل جزء من استراتيجية وطنية تهدف إلى رفع مساهمة التعدين في الناتج القومي الإجمالي من 1% حاليًا إلى 6% بحلول نهاية العقد، مما يعزز الإيرادات الدولارية ويحقق فائضًا في الميزان التجاري.
كما ساهمت هذه الزيادة في تعزيز احتياطيات البنك المركزي المصري، حيث ارتفعت أرصدة الذهب إلى 17.252 مليار دولار بنهاية نوفمبر 2025، بزيادة 707 ملايين دولار عن الشهر السابق.
الإصلاحات الحكومية وجذب الاستثمارات
وتلعب الإصلاحات التشريعية دورًا حاسمًا في دفع مصر نحو هدفها الإنتاجي، حيث أجرت وزارة البترول والثروة المعدنية تعديلات على نماذج الاتفاقات التعدينية لتكون أكثر شفافية وتنافسية، مستوحاة من أفضل الممارسات العالمية، مع تقليل مخاطر الاستثمار وتسريع إصدار التراخيص من خلال هيئة الثروة المعدنية.
وتشمل الحوافز الجديدة خفض الرسوم السنوية على التراخيص، إعفاءات ضريبية وجمركية على المعدات، وإصدار رخص متعددة المعادن ضمن رخصة واحدة، بالإضافة إلى إطلاق بوابة مصر الرقمية للتعدين لعرض البيانات الجيولوجية.
كما تخطط الحكومة لجذب استثمارات مباشرة تصل إلى مليار دولار بحلول 2030، مخصصة للاستكشاف والتنقيب.
ويعمل حاليًا نحو 150 شركة تعدين في مصر، منها 8 شركات عالمية رائدة، مما يعزز الشراكات الاستراتيجية.
ووفقًا لتقارير حديثة، أدت هذه الإصلاحات إلى توقيع اتفاقيات مع شركات مثل "أتون ريسورسز" الكندية و"غولد فيلدز"، لتوسيع الاحتياطيات المؤكدة من الذهب إلى أكثر من 7.3 ملايين أونصة.
وهذه الجهود ستحول مصر إلى وجهة إقليمية للصناعات التعدينية، مع التركيز على توطين القيمة المضافة من خلال بناء مصافي ذهب ومراكز صهر محلية، بدلاً من تصدير الخام.

المناجم الرئيسية في مصر
ويسيطر ثلاثة مناجم رئيسية على نحو 70% من إنتاج الذهب المصري، موزعة بين الصحراء الشرقية والدرع النوبي.
ويأتي منجم السكري في الصدارة، الذي يديره "أنغلو غولد أشانتي" على مساحة 160 كم² قرب مرسى علم، محققًا 454 ألف أونصة في 2024، بزيادة 7% في أول 9 أشهر من 2025 ليصل إلى 381 ألف أونصة، مع استثمارات بلغت 184 مليون دولار.
وتحصل مصر على 50% من الأرباح بالإضافة إلى 3% من المبيعات، مما يعزز الإيرادات الحكومية.
أما منجم إيقات في الصحراء الشرقية، فهو مشروع مشترك بين شركة "شلاتين" وهيئة الثروة المعدنية، باحتياطي 1.2 مليون أونصة ونسبة استخلاص 95%، وبدأ الإنتاج التجاري في 2023، محققًا أكثر من 900 كيلوجرام في العام الماضي، ويهدف إلى 6 أطنان خلال 5 سنوات.
وفي الوقت نفسه، يعد منجم أبو مروات، الذي كشفت عنه "أتون ريسورسز" في 2024 باحتياطي 290 ألف طن من الرواسب الذهبية والنحاسية، جاهزًا لبدء الإنتاج التجاري في النصف الثاني من 2026، بعد تأسيس شركة مشتركة في يونيو 2024.
وتشمل المشاريع الجديدة تطوير منجم حمش ومشروعي "أم الروس-وادي مبارك" بالبحر الأحمر، اللذين يستهدفان إنتاجًا إضافيًا بحلول 2027، مما يدعم الوصول إلى الهدف الإجمالي.
مزايدات التنقيب الجديدة ومسوح الاستكشاف
ولضمان استمرارية النمو، تعتزم هيئة الثروة المعدنية طرح مزايدة عالمية للتنقيب عن الذهب في الصحراء الشرقية خلال 2026، تغطي 200 منطقة واعدة، بالإضافة إلى مزايدة أخرى عبر "شركة شلاتين".
وستعتمد هذه المزايدات سنويًا للذهب وباقي المعادن، مدعومة بمسح جوي موسع لتحديد المناطق التعدينية، مع التركيز على المعادن الحيوية للطاقة المتجددة.
وهذه الخطوات تقلل المخاطر أمام الشركات الناشئة وتجذب استثمارات إضافية، مما يعزز الاحتياطيات ويضمن إنتاجًا مستدامًا يتجاوز 800 ألف أونصة.
تأثير إنتاج الذهب على الاقتصاد المصري
ولا يقتصر تأثير زيادة إنتاج الذهب على الأرقام، بل يمتد إلى الاقتصاد الكلي، ومع هدف إنتاج 30 مليون طن من المعادن الأخرى بحلول 2030، سيسهم القطاع في جذب استثمارات أجنبية مباشرة وتحقيق فائض تجاري، خاصة مع ارتفاع أسعار الذهب العالمية.
كما يدعم توطين الصناعة المحلية، كما أكد رئيس هيئة الثروة المعدنية الأسبق عمر طعيمة، الذي شدد على ضرورة بناء مصافي ومراكز تسويق لتعظيم القيمة المضافة.
ويمثل هدف 800 ألف أونصة من الذهب سنويًا نقلة نوعية لمصر، مدعومة بإصلاحات ذكية وشراكات عالمية، ومع استمرار التنفيذ، من المتوقع أن يصبح قطاع التعدين محركًا رئيسيًا للنمو الاقتصادي، محققًا الاستقرار والازدهار.