إنذار اقتصادي.. تصدير الذهب الخام يهدر مليارات الدولارات | والخبراء يحللون الأرقام
في ظل التحديات الاقتصادية العالمية والمحلية، يبرز قطاع الذهب كأحد أبرز الموارد الطبيعية التي تمتلكها مصر، والتي يمكن أن تلعب دوراً حاسماً في تعزيز الاقتصاد الوطني وتوفير العملة الأجنبية.
ومع ذلك، تخسر مصر مليارات الدولارات سنوياً بسبب تصدير الذهب الخام دون تصنيعه محلياً، مما يحرم البلاد من القيمة المضافة التي يمكن تحقيقها من خلال تحويله إلى مشغولات ذهبية أو سبائك معتمدة.
وهذا الواقع دفع الحكومة المصرية إلى إعادة النظر في استراتيجياتها، مع التركيز على بناء صناعة محلية قوية وإنشاء بورصة ذهب عالمية.
وفي هذا التقرير، من سمارت فاينانس، نقدم تحليلاً عميقاً لهذه القضية، مع الاستناد إلى إحصائيات حديثة تظهر نمواً ملحوظاً في صادرات الذهب خلال عام 2025.
تطور قطاع الذهب في مصر
وبدأت مصر في السنوات الأخيرة بتعزيز إنتاجها من الذهب، خاصة بعد اكتشافات جديدة في مناطق مثل الصحراء الشرقية، وشراكات مع شركات عالمية مثل سنتامين في منجم السكري.
ووفقاً لتقارير حديثة، بلغت صادرات مصر من الذهب والمجوهرات والأحجار الكريمة 6.76 مليار دولار في الأشهر العشرة الأولى من عام 2025، مقارنة بـ2.63 مليار دولار في الفترة نفسها من العام السابق، مما يعكس نمواً بنسبة 157%.
وهذا النمو يأتي في وقت يتجاوز فيه إيرادات الذهب إيرادات قناة السويس في بعض الفترات، مما يجعله مصدراً رئيسياً للدخل.
ومع ذلك، يؤكد الخبراء على أن التركيز على تصدير الخام يظل مشكلة كبرى، حيث يمكن أن يؤدي التصنيع المحلي إلى زيادة الإيرادات بنسبة تصل إلى 20-30% إضافية، بالإضافة إلى خلق آلاف فرص العمل في قطاعات التصميم والصياغة والتسويق.
الخسائر السابقة والتحول نحو البورصة العالمية
وركز الخبير الاقتصادي سمير رؤوف على الخسائر التاريخية الناتجة عن تصدير الذهب الخام، مشيراً إلى أن "مصر كانت تخسر مليارات الدولارات بسبب تصدير الذهب الخام دون تصنيعه محلياً".
وأوضح رؤوف لـ "سمارت فاينانس"، أن هناك اتفاقات مع الشركات المنتجة للذهب تنص على أن تحصل الدولة المصرية على 50% من الإنتاج مقابل منح حق التنقيب، كما في حالة منجم السكري الذي يعمل بنظام مشاركة 50/50 بين الهيئة المصرية للثروة المعدنية وشركة سنتامين.
وأضاف أن "الحصة المصرية من هذا الإنتاج تدخل إلى مصلحة سك العملة، حيث يتم تصنيعها إلى سبائك ذهبية، ثم تدمغ رسمياً، وأخيراً تدخل مخازن البنك المركزي المصري، مما يساهم في زيادة الاحتياطي النقدي من الذهب".

وهذه العملية، وفقاً لرؤوف، تساعد في تعزيز الاحتياطيات الرسمية، التي ارتفعت إلى 128.82 طن في الربع الثالث من 2025.
وأكد رؤوف على التحول الإيجابي الذي تشهده مصر حالياً، قائلاً إن "مصر تعمل حالياً على إنشاء بورصة ذهب عالمية بهدف تحقيق أكبر استفادة ممكنة من الذهب الخام الذي تنتجه"، لافتاً إلى أن هذا المشروع يأتي بالتوازي مع بناء مسابك حديثة ومنشآت أخرى تدعم صناعة الذهب المحلية.
وهذه الخطوات تهدف إلى جذب الاستثمارات الأجنبية وتحويل مصر إلى مركز إقليمي لتجارة الذهب، خاصة مع احتياطياتها الضخمة التي تقدر بملايين الأطنان.
واختتم رؤوف تصريحاته قائلاً إن "الحكومة المصرية قد انتبهت أخيراً إلى أهمية هذا الأمر، ولذلك بدأت تخصص مجهودات كبيرة للاستفادة القصوى من الذهب الخام، بحيث يتم الاحتفاظ به واستخدامه في البيع عند الحاجة الفعلية، بدلاً من تصديره خاماً وفقدان القيمة المضافة".
ولفت إلى أن هذا الانتباه يظهر في الزيادة الملحوظة في الإيرادات، حيث بلغت صادرات الذهب 3.2 مليار دولار في الربع الأول من 2025 فقط.
ويرى رؤوف أن هذه الاستراتيجية يمكن أن تحول الخسائر إلى مكاسب، خاصة في ظل ارتفاع أسعار الذهب عالمياً بسبب التوترات الجيوسياسية.
النمو في الصادرات والحاجة إلى التدريب والحوافز
من جانبه، أبرز الخبير الاقتصادي كريم العمدة النمو الكبير في صادرات الذهب، قائلاً إن "تصدير الذهب والمشغولات الذهبية يشهد معدلاً من النمو الكبير في مصر خلال السنوات الأخيرة".
وأوضح العمدة، لـ “ سمارت فاينانس”، أن "الصادرات بلغت تقريباً 5 مليارات دولار في عام 2024، بينما وصلت في الأشهر العشرة الأولى من عام 2025 إلى حوالي 7 مليارات دولار"، مضيفاً أن هذه الأرقام تشمل صادرات المشغولات الذهبية والذهب الخام معاً.
وهذا النمو يتوافق مع التقارير الرسمية، حيث سجلت صادرات الذهب والمعادن الثمينة زيادة بنسبة 194% في النصف الأول من 2025، لتصل إلى 3.93 مليار دولار.

وأكد العمدة على ضرورة "تقليل صادراتنا من الذهب الخام قدر الإمكان"، لأن التركيز على التصنيع المحلي يمكن أن يزيد من القيمة المضافة ويولد فرص عمل إضافية.
وفي الوقت نفسه، أشار إلى أن "هناك حاجة في بعض الأحيان إلى تصدير الذهب إلى الخارج للحصول على الدمغة الدولية"، مما يضمن الجودة والاعتراف العالمي بالمنتجات المصرية.
وبخصوص الدعم الحكومي، أفاد العمدة بأن "برنامج دعم الصادرات مخصص أساساً لرجال الأعمال"، لكنه اقترح عند الحديث عن قطاع الذهب بشكل خاص "تقديم تسهيلات وحوافز ضريبية عند تصدير المشغولات الذهبية"، معتبراً أن مثل هذه الإجراءات يمكن أن تشجع المصنعين على زيادة الإنتاج.
ووصف العمدة "قطاع صادرات الذهب والأحجار الكريمة بأنه قطاع واعد"، لكنه شدد على الحاجة إلى "زيادة نموه بشكل كبير من خلال زيادة العمالة المدربة"، مشيراً إلى أن مصر تمتلك مدرسة لتدريب العمالة على المشغولات الذهبية في مدينة العبور، مقترحاً "البناء عليها ونشر ثقافة هذه المدارس في مناطق أخرى".
ويرى العمدة أن هذه المبادرات ضرورية لمواجهة التحديات مثل نقص المهارات، خاصة مع توقعات بتجاوز الصادرات 7 مليار دولار بنهاية 2025.
وهذا التدريب يمكن أن يساعد في تحويل الذهب الخام إلى منتجات عالية الجودة، مما يعزز المنافسة في أسواق مثل الإمارات وسويسرا، اللتين تستحوذان على معظم الصادرات المصرية.ت
الإحصائيات الدقيقة والقيمة المضافة من التصنيع
أما الخبير الاقتصادي حسن هيكل، فقد قدم تحليلاً إحصائياً دقيقاً، قائلاً إن "صادرات مصر من الذهب الخام والمشغولات المصنعة خلال عام 2025 بلغت في الأشهر العشرة الأخيرة من العام الحالي 6.76 مليار دولار"، مشيراً إلى زيادة بنسبة 157% مقارنة بالعام السابق.
وأضاف، لـ “سمارت فاينانس”، أنه "من المتوقع أن تتجاوز قيمة الصادرات 7.05 مليار دولار بنهاية عام 2025".
وأوضح هيكل أن "أغلب الصادرات المصرية من الذهب تتجه إلى الإمارات العربية المتحدة وسويسرا"، وفي سياق الإنتاج، أشار إلى أن "منجم السكري يصل إنتاجه إلى 450 ألف أوقية من الذهب الخام سنوياً"، أي حوالي 14 طناً، بقيمة تصل إلى 1.7 مليار دولار عند سعر 3800 دولار للأوقية.

وأكد هيكل على أهمية التصنيع، قائلاً إن "نفس الكمية إذا تم بيعها كمشغولات مصنعة بسعر 4640 دولار للأوقية، ستحقق 2.08 مليار دولار"، مما يعني قيمة مضافة إضافية.
كما أبرز "ضرورة الحد من استيراد الذهب"، مشيراً إلى أن الاستيراد بلغ 240 مليون دولار في النصف الأول من 2025، مقارنة بـ166 مليون في 2024.
ويرى هيكل أن تقليل الاستيراد مع تعزيز التصنيع يمكن أن يحقق توازناً تجارياً أفضل، خاصة مع النمو السريع في الصادرات الذي بلغ 3.2 مليار دولار في الربع الأول من 2025.
فرص ذهبية للاقتصاد المصري
ويمثل قطاع الذهب فرصة ذهبية لمصر لتعزيز اقتصادها، بشرط التركيز على التصنيع والحد من الخسائر، ومع استمرار النمو في 2025، يمكن أن يصبح هذا القطاع عماداً للاستقرار المالي، كما يؤكد الخبراء.
ويتطلب الأمر جهوداً مشتركة بين الحكومة والقطاع الخاص لتحقيق هذا الهدف.