فرصة ذهبية أم فخ تضخمي؟.. توقعات الخبراء لقرار الفائدة من البنك المركزي الذي يغير حياة الملايين

البنك المركزي المصري
البنك المركزي المصري

في قلب الاقتصاد المصري، حيث تتقاطع مسارات التضخم والنمو والاستقرار النقدي، يقف قرار لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري بشأن الفائدة كمحور حاسم يحدد اتجاهات العام المقبل.

ومع اقتراب الاجتماع الأخير لعام 2025، يترقب المستثمرون والمواطنون على حد سواء ما ستسفر عنه المناقشات داخل أروقة البنك المركزي، خاصة في ظل تحسن ملحوظ في بعض المؤشرات الاقتصادية مثل انخفاض التضخم وزيادة التدفقات الأجنبية، مقابل مخاوف مستمرة من عودة ضغوط تضخمية.

وهذا القرار ليس مجرد تعديل رقمي على أسعار الفائدة، بل هو استراتيجية شاملة تؤثر على تكاليف الاقتراض، جاذبية الاستثمار، وقدرة الحكومة على إدارة ديونها الضخمة.

وفي هذا التقرير، من سمارت فاينانس، نستعرض آراء ثلاثة من كبار الخبراء الاقتصاديين، الذين يقدمون رؤى متباينة تعكس التعقيدات الحالية للاقتصاد المصري.

دعوة لخفض قوي مدعوم بتحسن المؤشراتي

وعبر الدكتور حسن هيكل، الخبير الاقتصادي والمحلل المالي المرموق، عن تفاؤله بخفض أسعار الفائدة، حيث يتوقع أن تقوم اللجنة بتخفيض يبدأ من 100 نقطة أساس كحد أدنى، وقد يصل إلى 150 نقطة، مستنداً إلى انحسار التضخم وزيادة التدفقات النقدية الخارجية التي تعزز الاستقرار.

وفي تصريحاته، أبرز هيكل أن التراجع في معدلات التضخم، مدعوماً بتدفقات أجنبية قوية، يخلق بيئة مثالية لتيسير السياسة النقدية.

وأوضح أن رفع أسعار الوقود الأخير كان يُتوقع أن يدفع الأسعار نحو الارتفاع الشديد، لكن تراجع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه ساهم في تخفيف هذه الضغوط التضخمية بشكل ملحوظ، مما يمنح اللجنة مساحة أوسع للمناورة.

ودعم هيكل رأيه ببيانات رسمية من البنك المركزي، تشير إلى أن تحويلات المصريين في الخارج بلغت 33.9 مليار دولار خلال الأشهر العشرة الأولى من 2025، بزيادة قدرها 42.8% عن الفترة المماثلة من العام السابق.

الدكتور حسن هيكل
الدكتور حسن هيكل

وهذا الارتفاع يقوي الاحتياطيات النقدية ويخفف الضغط على العملة المحلية، مما يجعل خفض الفائدة خياراً آمناً نسبياً.

كما ركز هيكل على الجانب المالي للحكومة، مشيراً إلى أن حجم الدين المحلي وصل إلى 11.06 تريليون جنيه بنهاية يونيو 2025.

وأكد أن خفضاً بنسبة 1% فقط في أسعار الفائدة يمكن أن يوفر للحكومة نحو 110 مليارات جنيه سنوياً في تكاليف الدين، مما يخفف العبء المالي.

وأضاف أن هذا التخفيض سيدفع نحو تشجيع الاستثمار والاقتراض من جانب القطاع الخاص، شريطة توفير تسهيلات إنتاجية مثل تخصيص أراضٍ وعنابر في المناطق الصناعية الحرة، وتبسيط إجراءات تأسيس الشركات وتحويل الأرباح إلى الخارج.

وفي السياق نفسه، أشار إلى أن الدين الخارجي بلغ 161.2 مليار دولار في يونيو 2025، بزيادة 5.5% عن العام السابق، مما يجعل تقليل التكاليف النقدية أمراً ضرورياً للحفاظ على التوازن المالي العام.

توافق عالمي ومحلي يدعم التيسير النقدي

ومن جانبه، يدعم الدكتور كريم العمدة، المتخصص في السياسات النقدية، فكرة خفض جديد لأسعار الفائدة، مستنداً إلى اتجاهات عالمية ومحلية متسقة نحو التيسير.

وأوضح العمدة أن قرار الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الأخير بخفض الفائدة بربع نقطة مئوية يعكس موجة عالمية نحو سياسات نقدية أكثر مرونة، مما يقلل الضغوط على الاقتصادات الناشئة مثل مصر.

الدكتور كريم العمدة
الدكتور كريم العمدة

وعلى الصعيد المحلي، لاحظ تباطؤاً واضحاً في معدلات التضخم السنوية والشهرية، مما يفتح الباب أمام خفض يتراوح بين 100 و200 نقطة أساس في الاجتماع القادم.

ويرى أن هذا الإجراء سيحفز الاستثمار والنمو الاقتصادي دون إثارة مخاطر تضخمية كبيرة، خاصة في ظل الاستقرار النسبي الحالي.

تحذير من المخاطر وتفضيل التثبيت

وفي المقابل، يقف الدكتور سمير رؤوف، الخبير الاقتصادي، موقفاً حذراً، متوقعاً تثبيت أسعار الفائدة في الاجتماع المقبل.

وأشار رؤوف إلى ظهور إشارات تضخمية جديدة في الاقتصاد المصري، مما يجعل أي خفض للفائدة مغامرة غير مدروسة.

الدكتور سمير رؤوف
الدكتور سمير رؤوف

وأوضح أن انخفاض عوائد الشهادات الادخارية قد يدفع إلى سحب كميات كبيرة من الودائع البنكية، مما يعيد إشعال التضخم من جديد.

وأضاف أن اللجنة من المحتمل أن تفضل التثبيت لفترة أطول، لمراقبة تأثيرات انتهاء صلاحية بعض الودائع في يناير 2026، مؤكداً أن الحفاظ على الاستقرار النقدي يظل الأولوية الأسمى أمام التحديات الراهنة.

وتكشف هذه الآراء المتباينة عن التحدي الذي تواجهه لجنة السياسة النقدية، قي التوفيق بين دعم النمو وكبح التضخم، وبينما يرى هيكل والعمدة فرصة تاريخية للتيسير، يحذر رؤوف من المخاطر المحتملة.

ومهما كان القرار، فإنه سيشكل خريطة الطريق للاقتصاد المصري في 2026، وسط آمال في تعزيز الاستثمار وتخفيف أعباء الدين، مقابل ضرورة الحفاظ على الاستقرار.

تم نسخ الرابط