أسعار النحاس تربك الجميع.. ماذا يحدث في سوق الأدوات الصحية والكابلات في مصر؟
في ظل التقلبات الاقتصادية العالمية، يستمر ارتفاع أسعار النحاس في إثارة القلق بين المنتجين والمستهلكين في مصر، ومع اقتراب نهاية العام، بلغ سعر النحاس حوالي 12,162.50 دولار أمريكي للطن في بورصة لندن للمعادن، مسجلاً ارتفاعاً بنسبة تزيد عن 34% منذ بداية 2025.
وهذا الارتفاع، الذي يعكس نقصاً في المعروض العالمي وتزايد الطلب من قطاعات مثل الطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعي، يؤثر مباشرة على أسواق الأدوات الصحية والكابلات الكهربائية في مصر.
وفي هذا التقرير، من سمارت فاينانس، نستعرض التفاصيل الارتفاع الكبير في أسعار النحاس، وتأثيره على الأسواق.
أسباب ارتفاع أسعار النحاس عالمياً في 2025
وشهدت أسعار النحاس ارتفاعاً حاداً خلال عام 2025، حيث قفزت بنسبة أكثر من 20% منذ يناير، مدفوعة بنقص المعروض الناتج عن اضطرابات في المناجم واختناقات في الإنتاج.
ووفقاً لبيانات بورصة لندن للمعادن، بلغ سعر النحاس في 25 ديسمبر 5.49 دولار أمريكي للرطل، بانخفاض طفيف بنسبة 0.04% عن اليوم السابق، لكنه يعكس زيادة شهرية بنسبة 7.27% وسنوية بنسبة 34.33%.
كما أشارت تقارير إلى أن السعر بلغ ذروته عند حوالي 12,070 دولار للطن في أواخر ديسمبر.
ويعزى هذا الارتفاع إلى عوامل جيوسياسية، مثل تدفق الشحنات إلى الولايات المتحدة لتجنب رسوم جمركية محتملة، بالإضافة إلى زيادة الطلب من صناعات السيارات الكهربائية والطاقة الشمسية.
وفي تقرير صادر عن جي بي مورغان، أكد أن النقص في المعروض دفع الأسعار إلى مستويات قياسية، مع توقعات باستمرار الضغط حتى نهاية العام.
كما أدى انخفاض المخزونات في بورصة لندن بنسبة تزيد عن 60% في النصف الأول من 2025 إلى تعزيز هذه الاتجاهات.
تأثير الارتفاع على سوق الأدوات الصحية في مصر
وفي مصر، يمثل النحاس نسبة تصل إلى 70% من خامات إنتاج الأدوات الصحية مثل المواسير، الحنفيات، والخلاطات.
ومع ارتفاع الأسعار العالمية، شهدت هذه السوق زيادات في التكاليف بنسب تتراوح بين 15% و25%، مما دفع الشركات إلى تمرير جزء منها إلى المستهلكين.
وقال متى بشاي، نائب رئيس شعبة الأدوات الصحية بغرفة القاهرة التجارية، إن 80% من المستلزمات مستوردة من أوروبا والصين، مما يجعل القطاع حساساً للتقلبات العالمية.
وأشار إلى تلقي إخطارات من موردين تركيين بزيادة أسعار بنسبة 13%، والتي ستنعكس على الأسعار النهائية قريباً.
وفي سياق 2025، أظهرت تقارير أن سوق الأدوات الصحية النحاسية في الشرق الأوسط، بما في ذلك مصر، تشهد نمواً طفيفاً رغم الارتفاع، مدفوعاً بطلب متزايد من مشاريع البناء.
ومع ذلك، يتوقع الخبراء زيادات تدريجية في الأسعار بنسبة 10% إلى 20%، خاصة إذا استمر النقص العالمي.

وأضاف مدحت نافع، الخبير الاقتصادي، أن الشركات الصغيرة ستضطر لتمرير التكاليف، مما يضغط على الطلب المحلي ويعيد طرح تحديات التسعير.
الوضع في سوق الكابلات الكهربائية والأجهزة المنزلية
أما سوق الكابلات الكهربائية، فهو الأكثر تأثراً، حيث يعتمد بشكل كبير على النحاس كموصل رئيسي.
وقال شريف الصياد، رئيس المجلس التصديري للصناعات الهندسية، إن الزيادة بنسبة 30% في أسعار النحاس تجعل امتصاصها صعباً، مما يدفع الشركات إلى نقل جزء منها إلى المستهلكين.
ومع ذلك، أشار إلى أن 80% إلى 90% من الكابلات في مصر تعتمد الآن على الألومنيوم كبديل أقل تكلفة، مما يحد من التأثير.
وفي 2025، أفادت تقارير بأن أسعار الأسلاك النحاسية ارتفعت بنسبة 12% في الربع الأخير، مدفوعة بنقص المعروض وطلب متجدد.
كما أثر ذلك على الأجهزة المنزلية مثل الثلاجات وأجهزة التكييف، حيث زادت تكاليف التصنيع بنسبة 7% إلى 8%، وفقاً لحسن مبروك، رئيس شعبة الأجهزة الكهربائية باتحاد الصناعات المصرية.
أما محمد المهندس، رئيس غرفة الصناعات الهندسية، فقد حذر من أن الشركات قد تخفض طاقتها الإنتاجية مؤقتاً لتقليل الاحتياجات من الخامات.
آراء الخبراء والمسؤولين حول التحديات
واتفق الخبراء على أن الارتفاع يضع ضغوطاً إضافية على الصناعات المصرية، حيث قال محمد حنفي، المدير التنفيذي لغرفة الصناعات المعدنية، إن الزيادة ستؤدي إلى ارتفاع أسعار الأجهزة الكهربائية واللوحات، متناسباً مع درجة الاعتماد على النحاس.
وأكد نافع أن قدرة الشركات الكبرى على امتصاص الزيادة محدودة، بينما تضطر الصغيرة إلى تمريرها، مما يعيق النمو.
وفي سياق أوسع، أشارت تقارير إلى أن ارتفاع أسعار النحاس يؤثر على تكاليف الكابلات عالمياً، وفي مصر تحديداً، مع توقعات بزيادة 3% إلى 7% في أسعار الأسلاك خلال 2025.
كما أبرزت دراسات أن النمو الاقتصادي في مصر بنسبة 3.8% في 2025 قد يساعد في امتصاص بعض الضغوط، خاصة مع توسع السوق في الشرق الأوسط وأفريقيا.
الإحصاءات الاقتصادية والتجارية في مصر
وبلغت واردات مصر من النحاس ومصنوعاته 2.29 مليار دولار في 2024، بنمو 35.5% عن 2023، وفقاً للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
أما الصادرات، فقد تجاوزت مليار دولار في 2024، بنمو 47%. في 2025، تشير التوقعات إلى استمرار هذا النمو، لكن مع تحديات من الارتفاع العالمي.
كما انخفضت مخزونات النحاس العالمية، مما يعزز الضغط على الأسعار المحلية.
سيناريوهات التعامل مع الوضع
ويتوقع الخبراء استمرار الارتفاع في النصف الأول من 2026، مع عدم يقين كبير في النصف الثاني بسبب السياسات الجيوسياسية.
وفي مصر، قد تشهد الأسواق زيادات محدودة إذا نجحت الشركات في التحول إلى بدائل مثل الألومنيوم.
وينصح الخبراء بتعزيز الاستيراد من مصادر مستقرة وتطوير صناعات محلية لتقليل الاعتماد على الخارج.
ويظل ارتفاع أسعار النحاس تحدياً كبيراً للاقتصاد المصري، لكنه يفتح أبواباً للابتكار والتنويع، ومع مراقبة دقيقة للأسواق العالمية، يمكن لمصر الحفاظ على نموها الاقتصادي رغم الإرباك الحالي.