37 تريليون دولار.. كيف أصبحت الديون قنبلة موقوتة تهدد هيمنة الولايات المتحدة؟

في تطور اقتصادي مقلق، اقترب الدين العام الأمريكي من كسر حاجز 37 تريليون دولار، مسجلاً أعلى مستوى في تاريخ الولايات المتحدة.
وهذا الرقم الهائل، الذي يعادل حوالي 122% من الناتج المحلي الإجمالي، يثير تساؤلات عميقة حول كيفية وصول أكبر اقتصاد عالمي إلى هذا المستنقع المالي، وما هي التداعيات المستقبلية لهذا التصاعد المتسارع في الديون.
وفي هذا التقرير، من سمارت فاينانس، نستعرض أسباب هذا الارتفاع الدراماتيكي، ةالتحديات التي تواجهها واشنطن، والمخاطر التي تهدد الاقتصاد العالمي.
من البدايات إلى الأرقام القياسية
وبدأت قصة الدين الأمريكي مع تأسيس الولايات المتحدة، حيث بلغت ديونها عام 1791 حوالي 75 مليون دولار. على مر العقود، شهد الدين نمواً تدريجياً، لكنه تسارع بشكل ملحوظ في القرن الحادي والعشرين.
وفي عام 1990، كان الدين العام حوالي تريليوني دولار، أي 50% من الناتج المحلي الإجمالي، وبحلول عام 2022، تجاوز الدين 31 تريليون دولار، وفي نوفمبر 2024، اخترق حاجز 36 تريليون دولار لأول مرة، وفقاً لبيانات وزارة الخزانة الأمريكية.
واليوم مع اقترابه من 37 تريليون دولار، أصبح الدين عبئاً يفوق الخيال، حيث يعادل حوالي 108 آلاف دولار لكل مواطن أمريكي.
أسباب الغرق في الديون
وعلى مدى عقود، أنفقت الحكومة الأمريكية أكثر مما تجمعه من إيرادات، ومنذ عام 2001، لم تسجل الولايات المتحدة فائضاً في الميزانية، مما أدى إلى عجز سنوي تراكمي.
وفي السنة المالية 2024، بلغ العجز حوالي 1.8 تريليون دولار، مدفوعاً بزيادة الإنفاق على برامج الرعاية الاجتماعية، الدفاع، ومدفوعات الفائدة على الدين.
كما ساهمت الأزمات الكبرى في تضخم الدين، حيث أنه خلال الأزمة المالية العالمية 2008-2009، أنفقت الحكومة تريليونات الدولارات لإنقاذ البنوك وتحفيز الاقتصاد. كذلك، خلال جائحة كورونا، تم تخصيص حوالي 5 تريليونات دولار لدعم العاطلين عن العمل والشركات الصغيرة، مما رفع الدين بشكل حاد.
ومع رفع الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة لمكافحة التضخم، ارتفعت تكلفة خدمة الدين، وفي عام 2024، بلغت مدفوعات الفوائد 881 مليار دولار، متجاوزة الإنفاق على الدفاع الوطني، وهذا الرقم مرشح للوصول إلى تريليون دولار سنوياً بحلول 2028 إذا استمرت معدلات الفائدة المرتفعة.
وخلال إدارة الرئيس دونالد ترامب، أدت تخفيضات ضريبية كبيرة إلى انخفاض الإيرادات الحكومية، مما زاد من الاقتراض.
وهذه السياسات، إلى جانب برامج التحفيز الاقتصادي، ساهمت في زيادة الدين بحوالي 8 تريليونات دولار خلال فترة رئاسته الأولى.

تحديات تضغط على الولايات المتحدة
والدين العام الأمريكي ليس مجرد رقم، بل يحمل تداعيات اقتصادية وسياسية خطيرة، حيث يهدد الدين الاستقرار المالي، حيث تشير توقعات إلى أن الدين قد يصل إلى 156% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2055.
كما يحد الدين من قدرة الحكومة على الاستجابة لأزمات مستقبلية، حيث يتم تخصيص جزء كبير من الميزانية لسداد الفوائد بدلاً من الاستثمار في البنية التحتية أو التعليم.
وعلى الصعيد العالمي، يثير الدين الأمريكي مخاوف بشأن استقرار الدولار كعملة احتياطية عالمية، حيث تمتلك دول مثل اليابان والصين حصصاً كبيرة من الدين الأمريكي (1.1 تريليون و821 مليار دولار على التوالي)، وأي انخفاض في الثقة بهذه السندات قد يؤدي إلى اضطرابات في الأسواق العالمية.
كما أن تجربة المملكة المتحدة عام 2022، عندما تسببت خطة تخفيض ضرائب في انهيار السندات والجنيه الإسترليني، تقدم تحذيراً واضحاً من المخاطر المحتملة.
هل هناك حلول؟
ومعالجة أزمة الدين تتطلب قرارات شجاعة وتوافقاً سياسياً نادراً في واشنطن، ومن بين الحلول المقترحة:
- تقليص الإنفاق الحكومي: يدعو الجمهوريون إلى خفض الإنفاق على برامج الرعاية الاجتماعية، بينما يطالب الديمقراطيون بالتركيز على زيادة الضرائب على الأثرياء.
- إصلاح النظام الضريبي: زيادة الإيرادات من خلال فرض ضرائب على الشركات الكبرى أو إلغاء التخفيضات الضريبية السابقة قد يساعد في تقليص العجز.
- إعادة هيكلة الدين: إصدار سندات طويلة الأجل بفوائد منخفضة يمكن أن يخفف الضغط المالي على المدى القصير.
ومع ذلك يبقى التحدي الأكبر هو غياب الإرادة السياسية لاتخاذ قرارات قد تكون غير شعبية بين الناخبين.
ويقترب الدين العام الأمريكي من 37 تريليون دولار، ليصبح رمزاً لتحديات اقتصادية عميقة تواجهها واشنطن، حيث أن الإنفاق المفرط، والأزمات الاقتصادية، وارتفاع تكلفة الفائدة هي العوامل الرئيسية التي أغرقت الولايات المتحدة في هذا المستنقع.
ومع استمرار الدين في النمو بمعدل تريليون دولار كل 100 يوم تقريباً، يتطلب الأمر إصلاحات عاجلة لتجنب أزمة مالية قد تهز الاقتصاد العالمي.
والسؤال الملح الآن: هل ستتمكن واشنطن من الخروج من هذا المستنقع، أم أن الدين سيظل شبحاً يهدد استقرارها؟.