أسعار الأسمدة تشتعل في مصر.. طفرة في التصدير ومعاناة في الداخل

تشهد سوق الأسمدة في مصر موجة غير مسبوقة من ارتفاع الأسعار، في وقت تحقق فيه البلاد طفرة في الإنتاج وتوسعًا ملحوظًا في حجم صادراتها للخارج. هذا التناقض بين وفرة الإنتاج وارتفاع الأسعار محليًا يثير مخاوف المزارعين، ويضع علامات استفهام حول سياسات التوزيع والتسعير والرقابة على الأسواق.
قفزة مفاجئة في أسعار السوق
سجلت أسعار الأسمدة ارتفاعًا حادًا خلال الفترة الأخيرة، حيث وصل سعر الطن من الأسمدة العامة إلى نحو 16,752 جنيهًا، بينما تخطى طن اليوريا حاجز 22,800 جنيه، وهو رقم قياسي لم يُسجل منذ سنوات، كما شملت الزيادة عدة أنواع أخرى من الأسمدة المتخصصة مثل نترات النشادر وسلفات النشادر.
أما في الجمعيات الزراعية، التي تعتبر شريان الإمداد الأساسي للمزارعين الصغار، فقد شهدت الأسعار أيضًا زيادات ملحوظة، إذ بلغ سعر طن نترات النشادر 7,800 جنيه، في حين وصل طن سلفات النشادر السائل إلى 3,500 جنيه، وهو ما أثار قلق المزارعين الذين يعتمدون على هذه الأسمدة بشكل أساسي في تحسين جودة وإنتاجية محاصيلهم.

طفرة إنتاجية ومكانة عالمية
ورغم هذا الارتفاع المفاجئ، تُظهر الأرقام الرسمية أن مصر تنتج نحو 17.9 مليون طن من الأسمدة سنويًا، مما يجعلها واحدة من الدول الرائدة في هذا القطاع على مستوى الشرق الأوسط وإفريقيا.
بل أكثر من ذلك، تمكنت مصر من تحقيق تقدم ملحوظ على مستوى التصدير، حيث احتلت المرتبة السابعة عالميًا في صادرات الأسمدة، متجاوزة دولًا صناعية كبرى، ويُعزى هذا النجاح إلى التطور الكبير في البنية الصناعية لمصانع الأسمدة، إلى جانب تزايد الطلب العالمي على المنتجات الزراعية.
أسباب متشابكة وراء ارتفاع الأسعار
يرى مراقبون وخبراء في القطاع الزراعي أن ارتفاع الأسعار محليًا، رغم وفرة الإنتاج، يرتبط بعدة عوامل متشابكة، من أبرزها:
زيادة حجم الصادرات على حساب توافر الكميات المخصصة للسوق المحلي.
ارتفاع أسعار الطاقة ومدخلات الإنتاج، خاصة الغاز الطبيعي المستخدم بكثافة في صناعة الأسمدة.
تأثيرات سعر الصرف وتقلبات السوق العالمية**، التي تؤثر بشكل مباشر على كلفة الإنتاج والتوريد.
غياب الرقابة الكافية على سلاسل التوزيع، مما يفتح المجال أمام ممارسات احتكارية من قبل بعض التجار والموزعين.
المزارعون في مرمى النيران
أمام هذه الارتفاعات، يجد الفلاح المصري نفسه محاصرًا بزيادة في التكاليف دون زيادة موازية في أسعار المحاصيل. إذ يعتمد غالبية صغار المزارعين على الأسمدة لتحسين الإنتاج، ومع هذه الزيادات المتلاحقة، يخشى كثيرون من اضطرارهم إلى تقليص المساحات المزروعة أو استخدام كميات أقل من الأسمدة، ما قد ينعكس سلبًا على الإنتاجية وجودة المحاصيل.
كما أن هذه التطورات قد تؤدي إلى زيادة متوقعة في أسعار الخضروات والفاكهة، الأمر الذي يضيف عبئًا إضافيًا على كاهل المستهلكين في ظل الظروف الاقتصادية الحالية.

دعوات لإعادة التوازن في السوق
في ظل هذه الأزمة، تتعالى الدعوات إلى الحكومة لاتخاذ خطوات حاسمة تعيد التوازن بين التصدير والاحتياجات المحلية. وتشمل أبرز هذه المطالب:
إعادة النظر في سياسات التصدير الكثيف، وتخصيص نسبة أكبر من الإنتاج للسوق المحلي.
زيادة الدعم الموجّه للجمعيات الزراعية لتمكينها من توفير الأسمدة بأسعار مخفّضة.
تشديد الرقابة على الأسواق والموزعين لمنع الممارسات الاحتكارية وضبط الأسعار.
في الوقت الذي تفخر فيه مصر بمكانتها المتقدمة عالميًا في إنتاج وتصدير الأسمدة، يبقى التحدي الأكبر هو ضمان توافر هذه المواد الحيوية بأسعار مناسبة داخل السوق المحلي. فبدون دعم حقيقي للفلاح، قد تتراجع معدلات الإنتاج الزراعي، وهو ما يهدد الأمن الغذائي ويدفع بأسعار الغذاء نحو مزيد من الارتفاع. المطلوب الآن هو توازن مدروس بين الطموح التصديري وحق المواطن في حياة كريمة.