مصر على أعتاب النهضة الاقتصادية الكبرى.. ماذا تقول المؤسسات المالية العالمية؟

في قلب عالم مضطرب يواجه تحديات اقتصادية وجيوسياسية غير مسبوقة، يبرز الاقتصاد المصري كنموذج يجمع بين المرونة والطموح، وبفضل الإصلاحات الهيكلية الجريئة والسياسات المالية الحصيفة، تمكنت مصر من تحقيق استقرار اقتصادي أثار إعجاب المؤسسات المالية الدولية الكبرى.
ومن صندوق النقد الدولي إلى البنك الدولي، تتجه الأنظار نحو مصر كواحدة من الاقتصادات الناشئة التي تحمل إمكانيات واعدة للنمو خلال السنوات القادمة.
وفي هذا التقرير، من سمارت فاينانس، نستعرض رؤية هذه المؤسسات لأداء الاقتصاد المصري، مع تسليط الضوء على توقعاتها للفترة من 2025 إلى 2027، مستندين إلى أحدث التقارير والتحليلات الدقيقة.
أداء الاقتصاد المصري: مرونة في مواجهة التحديات
وتشير التقارير الحديثة إلى أن الاقتصاد المصري أظهر مرونة ملحوظة في مواجهة التحديات العالمية، مثل التوترات الجيوسياسية، والتضخم العالمي، والصدمات المناخية.
ووفقًا لتقرير صندوق النقد الدولي الصادر في يوليو 2025، رفع الصندوق توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي لمصر في العام المالي 2024-2025 إلى 4%، مقارنة بتوقعات سابقة بلغت 3.8%.
وهذا التحسن يعكس قدرة الاقتصاد على التعافي السريع، مدعومًا ببرنامج إصلاح اقتصادي شامل بدأ منذ عام 2016، والذي تضمن تعويم الجنيه، تحسين بيئة الاستثمار، وتوسيع برامج الحماية الاجتماعية.
والبنك الدولي، من جانبه، يرى أن الاقتصاد المصري سيواصل مسار النمو التدريجي، حيث يتوقع أن يرتفع معدل النمو من 3.8% في العام المالي 2024-2025 إلى 4.2% في 2025-2026، ليصل إلى 4.6% في 2026-2027.
وهذه التوقعات تعززها زيادة الاستهلاك الخاص، ارتفاع الاستثمارات الخاصة - خاصة بعد صفقة الاستثمار الكبرى مع الإمارات - وتيسير السياسات النقدية.
التوقعات المستقبلية
وتتفق المؤسسات المالية الكبرى على أن مصر ستكون من بين أسرع الاقتصادات نموًا عالميًا خلال السنوات القادمة، وصندوق النقد الدولي يتوقع أن يحتل الاقتصاد المصري المركز السابع عالميًا ضمن أسرع 10 اقتصادات نموًا بحلول 2026، بمعدل نمو متوقع يبلغ 4.1% في العام المالي 2025-2026.
ومع ذلك، خفض الصندوق توقعاته للنمو في العام الحالي إلى 4.1% من 4.3%، مشيرًا إلى عوامل مثل بيع أصول الدولة والتخارج من بعض الأنشطة الاقتصادية كأسباب محتملة لهذا التعديل.
من ناحية أخرى، تتوقع وكالة "فيتش سوليوشنز" استقرارًا في القطاع المصرفي المصري خلال العامين القادمين، مما يعزز قدرة البنوك على تلبية الاحتياجات التمويلية ودعم الإقراض دون المساس بالاستقرار المالي.
كما أشار تقرير بنك "جولدمان ساكس" إلى أن قيمة الجنيه المصري الحقيقية قد تكون أعلى بنسبة 30% من سعره الحالي، مما يعكس تفاؤلاً بتحسن قوة العملة المحلية في المستقبل القريب.

العوامل الدافعة للنمو
وتعزى التوقعات الإيجابية إلى عدة عوامل، أبرزها استمرار تنفيذ برنامج الإصلاحات الهيكلية، الذي يركز على تعزيز دور القطاع الخاص، وتحسين مناخ الاستثمار، وتوسيع قاعدة الإنتاج لتقليل الاعتماد على الواردات.
وصفقة الاستثمار مع الإمارات، على سبيل المثال، أسهمت في تعزيز الاستثمارات الخاصة، بينما ساهمت اكتشافات الغاز الطبيعي، مثل حقل ظهر، في تعزيز إيرادات الطاقة.
وإضافة إلى ذلك، تتوقع المؤسسات الدولية ارتفاع إيرادات السياحة بشكل كبير، حيث يقدر صندوق النقد الدولي أن تصل إلى 22.8 مليار دولار في 2025-2026، و26.5 مليار دولار في 2026-2027، مدعومة بالموقع الجغرافي الاستراتيجي لمصر وتحسن البنية التحتية.
كما يتوقع أن ترتفع الاحتياطيات الدولية إلى 63.9 مليار دولار في 2025-2026، مما يعزز الاستقرار المالي.
الدين الخارجي والتضخم
وعلى الرغم من التفاؤل، تواجه مصر تحديات لا يمكن تجاهلها، يتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل الدين الخارجي إلى 180.6 مليار دولار في 2025-2026، أي ما يعادل 46.6% من الناتج المحلي الإجمالي، قبل أن يرتفع إلى 186.6 مليار دولار في 2026-2027.
كما يظل التضخم مصدر قلق، حيث سجل 32.7% في مارس 2025، وهو ما يتطلب سياسات نقدية حذرة لاحتوائه.
رؤية متفائلة مع ضرورة الحذر
وتتفق المؤسسات المالية الكبرى على أن الاقتصاد المصري يسير على مسار نمو مستدام، مدعومًا بإصلاحات هيكلية واستثمارات استراتيجية.
ومع ذلك، فإن استمرار التحديات مثل الدين الخارجي والتضخم يتطلب مواصلة السياسات الحكيمة وتعزيز الشراكات مع القطاع الخاص.