أزمة اللحوم في مصر.. لماذا لا تتراجع الأسعار رغم هبوط الأعلاف

في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجه المواطن المصري، يظل سؤال ارتفاع أسعار اللحوم مصدر إحباط كبير، خاصة مع انخفاض تكاليف الأعلاف التي تشكل جزءاً أساسياً من تكلفة الإنتاج.
ورغم التقارير الرسمية التي تشير إلى وفرة الأعلاف وتراجع أسعارها بنسبة ملحوظة خلال الأشهر الأخيرة، إلا أن أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء تظل مستقرة عند مستويات مرتفعة، مما يثير تساؤلات حول آليات السوق والتدخلات الحكومية.
وفي هذا التقرير، من سمارت فاينانس، نستعرض الأسباب الرئيسية لهذا الاستقرار السعري، وعدم تأثر أسعار اللحوم بانخفاض أسعار الأعلاف.
انخفاض أسعار الأعلاف.. واقع أم وهم؟
وشهدت أسعار الأعلاف في مصر انخفاضاً ملحوظاً خلال الفترة من يوليو إلى سبتمبر 2025، مدفوعاً بتراجع أسعار الذرة الصفراء وفول الصويا عالمياً، بالإضافة إلى استقرار سعر صرف الجنيه مقابل الدولار.
ووفقاً لتقارير بوابة الأسعار المحلية والعالمية التابعة لمجلس الوزراء، انخفض سعر طن الأعلاف بنسبة تصل إلى 10% في بعض الأنواع، حيث بلغ متوسط سعر طن الذرة حوالي 12,000 جنيه، مقارنة بـ13,500 جنيه في يونيو الماضي.
وهذا الانخفاض يعزى إلى زيادة الإنتاج المحلي للأعلاف وتحسن الاستيراد بعد اتفاقيات تجارية جديدة مع دول مثل أوكرانيا وروسيا، رغم التحديات الجيوسياسية.
ومع ذلك، يؤكد خبراء في قطاع الزراعة أن هذا الانخفاض لم ينعكس بعدُ بشكل كامل على تكاليف الإنتاج الشاملة، حيث قال الدكتور ثروت الزيني، نائب رئيس اتحاد منتجي الدواجن، إن "الأعلاف تشكل 60-70% من تكلفة إنتاج اللحوم، لكن الاستقرار السعري يتأثر بعوامل أخرى مثل الطاقة والنقل".
وفي تقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في أغسطس 2025، انخفضت أسعار الأعلاف بنسبة 5.2% شهرياً، مما يدعم توقعات بتراجع تدريجي في أسعار الدواجن، لكن اللحوم الحمراء لم تشهد تغييراً ملموساً.
أسعار اللحوم في مصر.. استقرار مرتفع رغم الضغوط
وتتراوح أسعار اللحوم البلدية في الأسواق المصرية بين 380 و500 جنيه للكيلوغرام، حسب النوع والمنطقة، وعلى سبيل المثال، يبيع اللحم الضأن البلدي بـ450-500 جنيه في القاهرة والإسكندرية، بينما يصل لحم الكندوز إلى 400 جنيه، وفقاً لآخر تحديث لبوابة الأسعار.
أما اللحوم المستوردة، مثل البرازيلية، فتباع بـ300-350 جنيه، مما يجعلها خياراً أكثر جاذبية للمستهلكين ذوي الدخل المتوسط.
ورغم انخفاض أسعار الدواجن إلى 50-65 جنيه للكيلو في المزارع، إلا أن اللحوم الحمراء لم تتأثر بنفس القدر.
وفي محافظات مثل الغربية ومطروح، سجلت الأسعار ثباتاً عند 400-450 جنيه للضأن، مع تراجع طفيف في اللحوم المستوردة بنسبة 1.3% خلال أغسطس، وفقاً لتقرير الجهاز المركزي.
وهذا الاستقرار يعكس حالة من الركود في الطلب، حيث يلجأ المستهلكون إلى بدائل أرخص مثل الدواجن أو اللحوم المجمدة، مما يحد من الضغط الهبوطي على الأسعار.
أسباب عدم تراجع الأسعار
ورغم انخفاض الأعلاف، تبرز عدة أسباب رئيسية تحول دون تراجع أسعار اللحوم، أولاً ارتفاع تكاليف الإنتاج الشاملة، والأعلاف ليست العامل الوحيد فتكاليف الكهرباء، النقل، والعمالة ارتفعت بنسبة 15% خلال 2025 بسبب التضخم العام الذي بلغ 11.2% في أغسطس، حسب الجهاز المركزي.
واللحوم المستوردة تشكل 40% من السوق، وتراجع الدولار لم يعوض ارتفاع تكاليف الشحن العالمية.
وهناك ضعف القوة الشرائية والركود في السوق، حيث يعاني المستهلك المصري من انخفاض الدخل الحقيقي بنسبة 8% هذا العام، مما أدى إلى قلة الإقبال على اللحوم الحمراء البلدية.
وفي يناير 2025، حذر خبراء من أن "قلة الإقبال تحافظ على الأسعار مرتفعة لتجنب الخسائر"، وهذا الوضع مستمر حتى سبتمبر.

كما أن التوجه نحو اللحوم المستوردة الأرخص يقلل الضغط على الأسعار المحلية، حيث انخفض سعر الكيلو المستورد إلى 210 جنيه في بعض المنافذ الحكومية.
أيضًا هناك التحكم بالسوق والاحتكار، حيث أشار البعض إلى أن التجار يحتكرون العرض للحفاظ على هوامش الربح، رغم انخفاض الأعلاف.
كما يعتمد إنتاج اللحوم في مصر على الاستيراد بنسبة 30%، ومع ارتفاع أسعار الطاقة العالمية، لم ينعكس انخفاض الأعلاف على الاستيراد، وبالإضافة إلى ذلك، أدى الركود في مبيعات اللحوم البلدية إلى تراجع الإنتاج المحلي، مما يحافظ على الندرة الاصطناعية.
دور الحكومة
وتلعب وزارة التموين دوراً رئيسياً في ضخ اللحوم عبر المنافذ الحكومية، حيث طرحت كميات تصل إلى 500 طن يومياً بأسعار مخفضة في سبتمبر 2025، مثل 310 جنيه للكيلو البلدي في مبادرة "حياة كريمة".
ومع ذلك، ينتقد الخبراء عدم وجود أسعار استرشادية إلزامية، مما يسمح للتجار بالاحتفاظ بالأسعار المرتفعة، حيث توقع عبد الباسط تراجعاً تدريجياً بنسبة 5-10% خلال أكتوبر، إذا استمرت الوفرة في الأعلاف وتدخلت الحكومة بمزيد من الرقابة.
كما أعلنت وزارة الزراعة عن خطط لزيادة الإنتاج المحلي بنسبة 20% في 2026 من خلال دعم مزارع جديدة، لكن هذا لن يؤثر فوراً على الأسعار الحالية.
ويواجه المواطن المصري صعوبة في توفير اللحوم، حيث يشكل سعر الكيلو 10-15% من دخل الأسرة اليومي المتوسط (حوالي 3000 جنيه شهرياً)، وهذا الاستقرار السعري يساهم في ارتفاع التضخم الغذائي إلى 13%، مما يضغط على الميزانية العائلية ويزيد من الاعتماد على البدائل مثل البقوليات أو الدواجن.
هل يأتي التراجع قريباً؟
ويتوقع الخبراء تراجعاً طفيفاً في أسعار اللحوم بنهاية 2025، مدعوماً بانخفاض مستمر في الأعلاف وتدخلات حكومية أقوى، مثل فرض سقف سعري أو زيادة الاستيراد.
ومع ذلك، يحذرون من أن التقلبات العالمية، مثل ارتفاع أسعار الطاقة، قد تعيق ذلك، في حين يتوقع يوسف الباسومي، نقيب القصابين، انخفاضاً إلى 350 جنيه للكيلو في اللحوم البلدية إذا تحسن الطلب.
وعدم تراجع أسعار اللحوم رغم انخفاض الأعلاف يعكس تعقيداً في السوق المصري، يجمع بين عوامل إنتاجية واقتصادية وسياسات تنظيمية، حيث يتطلب الأمر جهوداً مشتركة بين الحكومة والقطاع الخاص لتحقيق توازن يخفف العبء عن المستهلك، مع الحفاظ على استدامة الإنتاج.