من حلوان إلى شرق بورسعيد.. قصص مصانع عربات السكك الحديد التي ستغير وجه النقل في مصر إلى الأبد
في ظل التحولات الاقتصادية السريعة التي تشهدها مصر، أصبحت صناعة عربات السكك الحديد محورًا أساسيًا لتحقيق الاستقلال الصناعي وتعزيز القدرات النقلية.
ومع اقتراب نهاية عام 2025، يشهد القطاع تطورات ملموسة، حيث ينتقل من الاعتماد على الاستيراد إلى الإنتاج المحلي بنسب توطين تصل إلى 75% في بعض المشاريع.
وفي هذا التقرير، من سمارت فاينانس، نستعرض الواقع الحالي للصناعة، والتعاون بين وزارة النقل والمؤسسات الدولية، بالإضافة إلى الإنجازات والخطط المستقبلية التي تعكس رؤية مصر 2030 لقطاع النقل المستدام.
تطور صناعة عربات السكك الحديد في مصر
وتعود جذور صناعة عربات السكك الحديد في مصر إلى عقود مضت، حيث أنشئ مصنع الشركة المصرية لصناعة عربات السكك الحديدية (سيماف) في حلوان عام 1948، ليصبح أحد أقدم المصانع في المنطقة العربية.
وكان هذا المصنع يركز على إصلاح وتجميع العربات، لكنه واجه تحديات في السبعينيات بسبب نقص التكنولوجيا.
ومع ذلك، شهد القطاع تحولًا جذريًا منذ عام 2021، مع إطلاق خطة وزارة النقل لتوطين الصناعة، التي أدت إلى إنشاء سبعة مصانع متخصصة بحلول 2024، وثمانية بحلول منتصف 2025.
وهذه الخطة، التي أعلن عنها الفريق كامل الوزير وزير النقل، تهدف إلى رفع كفاءة الشبكة الحديدية وتقليل الاعتماد على العملة الصعبة، حيث بلغت تكلفة استيراد العربات سابقًا ملايين الدولارات سنويًا.
وفي عام 2025، أصبح التركيز على الإنتاج المحلي المتكامل، مع الاستفادة من الشراكات الدولية لنقل التكنولوجيا.
وعلى سبيل المثال، أعلنت الوزارة في نوفمبر 2025 عن توقيع 23 اتفاقية مع شركات عالمية، تشمل تطوير البنية التحتية وإنتاج عربات متقدمة، مما يعزز من قدرة مصر على مواجهة الطلب المتزايد على خدمات النقل، خاصة مع زيادة عدد الركاب إلى 1.5 مليار مسافر سنويًا.
المشاريع الرئيسية لإنتاج عربات السكك الحديد في مصر 2025
ويبرز مصنع الشركة الوطنية لصناعة السكك الحديدية (نيرك - NERIC) في شرق بورسعيد كأبرز إنجاز، حيث بدء الإنتاج الفعلي في منتصف 2025.
ويمتد المصنع على مساحة 300 ألف متر مربع، وبني على ثلاث مراحل، مع التركيز في المرحلة الأولى على إنتاج عربات المترو والقطارات الرئيسية، والاستثمار الأولي يبلغ 4.2 مليار جنيه مصري (حوالي 82 مليون دولار)، ممولًا من بنوك مصرية كبرى مثل البنك الأهلي والتجاري الدولي، ويوفر 5000 فرصة عمل مباشرة.
وهذا المشروع، الذي يعد الأول من نوعه في مصر، سيحقق توطينًا بنسبة 75% خلال ثلاث سنوات، مما يقلل التكاليف بنسبة تصل إلى 40% مقارنة بالاستيراد.
ومن أبرز العقود الموقعة في مايو 2025، اتفاق مع نورينكو الدولية (الصينية) لتصنيع 21 قطارًا مترو لمشروع مترو الإسكندرية الكهربائي، بقيمة 275 مليون يورو.
ويشمل العقد تجميع 189 عربة بطريقة CKD (تجميع المكونات المحلية)، مع توفير قطع غيار وبرنامج صيانة لمدة 10 سنوات يغطي الإصلاحات الرئيسية داخل المصنع.
وهذا المشروع، الذي يمتد على 43 كيلومترًا، يعد أول مترو حضري مصري الصنع خارج القاهرة، ومن المتوقع تشغيله في 2027، مما يربط الإسكندرية ببرج العرب والقطار السريع إلى العاصمة الإدارية الجديدة.

كما أعلن عن وصول عربات قطار النوم المطورة إلى معرض النقل واللوجستيات في نوفمبر 2025، والتي تم تجميعها محليًا بنسبة عالية، مما يعكس التقدم في إنتاج العربات الفاخرة.
وبالإضافة إلى ذلك، يعمل مصنع كول واي (COLWAY) في كوم أبو راضي ببني سويف على إعادة تأهيل 65 عربة نوم ونادي إسبانية الأصل، بتكلفة 329 ألف يورو لكل عربة (22% من تكلفة عربة جديدة)، مع دفع 70% بالجنيه المصري.
وهذا المصنع، الذي يغطي 70% من احتياجات السكك الحديدية، ينتج مكونات داخلية ويخطط لتوسعة إلى 4000 متر مربع إضافية في المرحلة الثانية.
الشراكات الدولية في صناعة عربات السكك الحديد المصرية
وتعتمد مصر على شراكات استراتيجية لتعزيز قدراتها، حيث وقعت اتفاقيات مع هيونداي روتيم الكورية الجنوبية لإنتاج عربات المترو، ولينزا مصر لقطع الغيار.
كما يتعاون مع تالجو الإسبانية لإنشاء مصنع متخصص في قطارات النوم الفاخرة، بطاقة إنتاج 100 قطار (50 في كل مرحلة)، بنسبة تصنيع محلي 97% واعتماد على موردين مصريين بنسبة 45% قابلة للزيادة.
وهذه الشراكة تشمل نقل التكنولوجيا وتدريب العمالة على أنظمة الجر والتحكم، مما يدخل مصر في دورة حياة القطار الكاملة.
وبالإضافة إلى ألستوم الفرنسية وكول واي الإسبانية، التي تساهم في إنشاء مصانع للعربات الكهربائية وأنظمة الإلكتروميكانيكية.
وهذه الشراكات ليست مجرد تمويل، بل تبادل معرفي يهدف إلى جعل مصر مركزًا إقليميًا للتصدير إلى الشرق الأوسط وأفريقيا.
التأثيرات الاقتصادية والبيئية لتطوير الصناعة
ويعد توطين صناعة عربات السكك الحديد خطوة حاسمة نحو الاستقرار الاقتصادي، حيث يوفر آلاف الوظائف ويقلل الإنفاق الأجنبي بنحو 500 مليون دولار سنويًا.
وفي 2025، ساهمت هذه المشاريع في زيادة طاقة نقل البضائع الحديدية إلى 11-13 مليون طن، مقارنة بـ8 ملايين طن سابقًا، مما يدعم الصادرات ويحفز النمو.
وبيئيًا، تعتمد العربات الجديدة على تقنيات كهربائية صديقة للبيئة، مما يقلل الانبعاثات بنسبة 30% ويحقق أهداف التنمية المستدامة.
الآفاق المستقبلية لصناعة عربات السكك الحديد في مصر
ورغم الإنجازات، تواجه الصناعة تحديات مثل نقص المهارات المتقدمة وارتفاع تكاليف الطاقة، لكن الخطط تشمل برامج تدريب لآلاف العمال بحلول 2026.
وفي المستقبل، تهدف مصر إلى إنتاج عربات عالية السرعة ومونوريل، مع ربطها بشبكة القطار الكهربائي الوطني، وبحلول 2030، من المتوقع أن تصبح الصناعة مصدرًا للتصدير، مما يعزز مكانة مصر كقوة نقل إقليمية.
وتمثل صناعة عربات السكك الحديد في مصر 2025 نموذجًا للتحول الاقتصادي الناجح، حيث تحولت الرؤية إلى واقع يدعم التنمية الشاملة، ومع استمرار الجهود، ستكون مصر جاهزة لقيادة الثورة النقلية في المنطقة.