هيمنة الدولار.. لماذا لا يوجد بديل جاهز يمكن الاعتماد عليه؟

في عالم الاقتصاد العالمي، يتربع الدولار الأمريكي على عرش العملات، متحديًا كل محاولات المنافسة، ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أصبح الدولار رمزًا للقوة الاقتصادية والاستقرار المالي، يتحكم في تدفقات التجارة الدولية، ويعتبر الملاذ الآمن في أوقات الأزمات.
ورغم الجهود المستمرة من دول مثل الصين وروسيا لتقليص اعتمادهم على الدولار، يبقى السؤال: لماذا لا يوجد بديل جاهز لهذه العملة؟.
وفي هذا التقرير، من سمارت فاينانس، نستعرض الأسباب العميقة وراء استمرار هيمنة الدولار.
أسس هيمنة الدولار: قوة اقتصادية وثقة عالمية
ويعد الاقتصاد الأمريكي، بضخامته وتنوعه، العمود الفقري لهيمنة الدولار، وبفضل ناتج محلي إجمالي يتجاوز 20 تريليون دولار، تظل الولايات المتحدة المحرك الأساسي للاقتصاد العالمي.
وأوضح محمد العريان، كبير المستشارين الاقتصاديين في "أليانز"، أن هذا الحجم الاقتصادي يمنح الدولار دعمًا لا مثيل له، حيث تعتمد الأسواق العالمية على الاستقرار النسبي للاقتصاد الأمريكي.
وإضافة إلى ذلك، تعتبر الأسواق المالية الأمريكية، خاصة سوق السندات الحكومية، الأكثر سيولة وشفافية في العالم.
وهذه السيولة تجعل الدولار ملاذًا آمنًا للمستثمرين خلال الأزمات، مثل الاضطرابات الجيوسياسية أو التقلبات الاقتصادية.
وأضاف العريان أن البنية التحتية للنظام المالي العالمي مبنية حول الدولار، حيث أن معظم المعاملات التجارية الدولية، بما في ذلك تجارة النفط والغاز والسلع الأساسية، تسعّر وتسدد بالدولار.
ونظام "سويفت" (SWIFT)، الذي يدير التحويلات المالية الدولية، يعتمد بشكل رئيسي على الدولار، مما يجعل استبداله تحديًا لوجستيًا هائلاً.
وهذا الاعتماد العميق يعني أن أي عملة بديلة يجب أن تكتسب قبولًا عالميًا واسعًا، وهو أمر لم تحققه أي عملة أخرى حتى الآن.

تحديات البدائل المحتملة
وتناول العريان الجهود التي تبذلها دول مثل الصين لتعزيز اليوان كبديل محتمل، مشيرًا إلى أن اليوان يواجه عقبات كبيرة، أبرزها القيود على حرية تداوله والسياسات النقدية المركزية التي تفرضها الحكومة الصينية.
كما أن الأسواق المالية الصينية لا تمتلك الشفافية أو السيولة الكافية لتلبية متطلبات عملة احتياط عالمية.
وأكد العريان أن الثقة، وهي العنصر الأساسي لأي عملة عالمية، لا تزال مفقودة بالنسبة لليوان، حيث ينظر المستثمرون إلى النظام السياسي الصيني بعين الحذر.
وبالنسبة لليورو، يرى العريان أن التشتت السياسي داخل الاتحاد الأوروبي يضعف قدرته على منافسة الدولار.
وغياب سياسة مالية موحدة بين الدول الأعضاء يحد من قدرة اليورو على تحمل مسؤوليات عملة عالمية.
أما عملات مثل الين الياباني أو الروبل الروسي، فهي تفتقر إلى الانتشار والاستقرار اللازمين لتكون بدائل جادة.

دور الثقة والاستقرار السياسي
وشدد العريان على أن الثقة هي حجر الزاوية في هيمنة الدولار. النظام السياسي والقانوني الأمريكي، رغم تحدياته مثل الاستقطاب السياسي أو ارتفاع الدين العام، يظل أكثر استقرارًا ومصداقية مقارنة بالعديد من الأنظمة الأخرى.
وهذه الثقة تجعل الدولار العملة المفضلة للبنوك المركزية والمستثمرين على حد سواء، وفي المقابل، تواجه الدول الأخرى تحديات في بناء ثقة مماثلة، سواء بسبب عدم الاستقرار السياسي أو القيود على حرية الأسواق.
مستقبل الدولار: تحديات واستمرارية
وحذر العريان من أن هيمنة الدولار ليست أمرًا مضمونًا إلى الأبد، وإذا أساءت الولايات المتحدة إدارة اقتصادها أو استمرت في استخدام الدولار كأداة لفرض عقوبات بشكل مفرط، فقد تشجع الدول الأخرى على تسريع جهودها لتطوير بدائل.
ومع ذلك، أكد أن أي تحول نحو عملة بديلة سيستغرق عقودًا، نظرًا للحاجة إلى بنية تحتية مالية عالمية جديدة وقبول واسع من الأسواق.
وفي الوقت الحالي، يبقى الدولار بلا منافس حقيقي، مدعومًا بقوة الاقتصاد الأمريكي وثقة العالم فيه.
ويظل الدولار الأمريكي العمود الفقري للنظام المالي العالمي، بفضل قوة الاقتصاد الأمريكي، سيولة أسواقه، والثقة العالمية في مؤسساته.
وغياب بديل جاهز يعود إلى تعقيدات اقتصادية وسياسية تجعل من الصعب على أي عملة أخرى أن تحل محله، ولكن السؤال يبقى: هل يمكن للعالم أن يشهد تحولًا في النظام المالي العالمي؟.