زيادة أسعار البنزين والسولار في مصر.. قرار لا رجعة فيه أم فرصة للتغيير؟

أسعار البنزين
أسعار البنزين

في خضم التحديات الاقتصادية التي تعصف بالعالم، وفي ظل التزامات مصر تجاه برنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي، تبرز تساؤلات ملحة حول إمكانية تخلي الحكومة المصرية عن قرارات رفع أسعار البنزين والسولار.

وهذه القرارات، التي أثارت جدلًا واسعًا بين المواطنين، تأتي في سياق خطة طموحة لإعادة هيكلة منظومة الدعم، بهدف تحقيق الاستدامة المالية وتقليص العجز في الموازنة العامة، ولكن هل يمكن للحكومة أن تتراجع عن هذه الخطوة؟ وما هي التداعيات المحتملة؟.

وفي هذا التقرير، من سمارت فاينانس، نستعرض الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية لهذا القرار.

لماذا تنوي الدولة رفع أسعار الوقود؟

وتعاني مصر من ضغوط اقتصادية متزايدة، وهذا الوضع دفع الحكومة إلى تكثيف جهودها لتقليص فاتورة الدعم، خاصة في قطاع الوقود، الذي يكلف الموازنة العامة مبالغ طائلة.

ووفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي، أنفقت مصر 331 مليار جنيه (حوالي 6.85 مليار دولار) على دعم الوقود في السنة المالية 2024-2025، ومن المتوقع أن تنخفض هذه القيمة إلى 245 مليار جنيه في 2025-2026، مع استمرار رفع الدعم تدريجيًا.

في هذا السياق، أكد الدكتور فخري الفقي أن الاستمرار في رفع أسعار المنتجات البترولية لتصل إلى سعر التكلفة يعد خطوة اقتصادية سليمة، مشيرًا إلى أن الموازنة العامة تحملت عبئًا ماليًا ضخمًا بلغ 155 مليار جنيه لدعم الوقود، وهو ما يعتبر هدرًا للمال العام، خاصة أن جزءًا كبيرًا من هذا الدعم، يقدر بنحو 75 مليار جنيه، يذهب لغير المستحقين، بما في ذلك الأجانب المقيمين والبعثات الدبلوماسية والفئات الثرية. 

وتساءل الفقي: "هل من المنطقي أن تستفيد فئات غير مستحقة من دعم موجه أساسًا للمواطنين المصريين؟"، مؤكدًا أن هذا الوضع يستدعي إصلاحًا عاجلاً.

أسعار البنزين
أسعار البنزين

التزامات صندوق النقد الدولي

وتأتي قرارات رفع أسعار الوقود في إطار اتفاق مصر مع صندوق النقد الدولي، الذي وافق في مارس 2024 على زيادة قيمة قرضه إلى 8 مليارات دولار، مع شرط أساسي يتمثل في تقليص دعم الوقود تدريجيًا حتى إلغائه بالكامل بحلول ديسمبر 2025.

وقد أكد الدكتور محمد معيط، المدير التنفيذي للمجموعة العربية في صندوق النقد، التزام مصر بهذا الجدول الزمني، ومع اقتراب المراجعة الخامسة والسادسة للبرنامج، يبدو أن الحكومة مضطرة للمضي قدمًا في هذه السياسة لضمان استلام الشرائح المتبقية من القرض، والتي تشمل 1.2 مليار دولار متوقعة قريبًا.

إمكانية التخلي عن رفع الأسعار

ورغم الضغوط الاقتصادية، فإن التخلي عن رفع أسعار الوقود يبدو غير مرجح في الوقت الحالي، حيث أوضح الدكتور فخري الفقي أن الحكومة نفذت أربع مراحل من رفع الدعم، ولم يتبق سوى مرحلة أخيرة مقررة خلال 2025، مما يعني أن التراجع الآن قد يعرض مصر لفقدان الدعم المالي من صندوق النقد، ويزيد من الضغط على الموازنة.

الدكتور فخري الفقي
الدكتور فخري الفقي

كما أشار إلى أن الدولة بدأت في تطبيق مبدأ "السعر يساوي التكلفة"، بهدف القضاء على التشوهات في توزيع الدعم، وعلاوة على ذلك، تسعى الحكومة إلى إعادة توجيه الوفورات الناتجة عن خفض الدعم – والتي تقدر بنحو 75 مليار جنيه في الموازنة القادمة – نحو الفئات الأكثر احتياجًا عبر "الكارت الموحد للخدمات".

وهذا النظام، الذي يجرب حاليًا في بورسعيد، يهدف إلى تقديم دعم نقدي مباشر للأسر المستحقة، بحيث تحصل كل أسرة على مبالغ تتجاوز 5 آلاف جنيه سنويًا لتلبية احتياجاتها بسعر السوق، وهذا التحول من الدعم العيني إلى النقدي يعد خطوة استراتيجية لضمان استدامة الموارد وتقليل الهدر.

ورغم المبررات الاقتصادية، فإن رفع أسعار الوقود يثير قلقًا اجتماعيًا كبيرًا، فإن هذه الزيادات تؤدي إلى ارتفاع تلقائي في أسعار السلع والخدمات، مما يفاقم أعباء المعيشة، والديزل، الذي يستخدم في 70% من وسائل النقل، يؤثر بشكل مباشر على تكاليف الغذاء والنقل، مما يزيد من التضخم.

ومع ذلك، تؤكد الحكومة أن برامج الحماية الاجتماعية، مثل "تكافل وكرامة" ودعم الخبز والتموين، ستخفف من حدة هذه الصدمات.

هل التراجع ممكن؟

وفي ضوء التصريحات والمعطيات، يبدو أن التخلي عن رفع أسعار البنزين والسولار ليس خيارًا واقعيًا للحكومة المصرية في الوقت الحالي، حيث أن الالتزامات مع صندوق النقد الدولي، إلى جانب الحاجة إلى تقليص العجز المالي وإعادة هيكلة الدعم، تجعل الاستمرار في هذا المسار حتميًا.

ومع ذلك، فإن نجاح هذه السياسة يعتمد على قدرة الحكومة على تنفيذ برامج دعم نقدي فعالة، مثل الكارت الموحد، وضمان وصول الدعم إلى مستحقيه فقط.

وفي النهاية، يظل التحدي الأكبر هو تحقيق التوازن بين الإصلاحات الاقتصادية والحفاظ على الاستقرار الاجتماعي، وهو ما تعرفه الحكومة المصرية بشكل كاملة وتحاول تعويض رفع الأسعار ببرامج خاصة ليصل الدعم إلى مستحقيه.

تم نسخ الرابط