مركز إقليمي للطاقة.. مصر تصدر الغاز القبرصي عبر مرافقها إلى العالم

مصر وقبرص
مصر وقبرص

في خطوة استراتيجية تعزز طموحات مصر للتحول إلى مركز إقليمي رئيسي للطاقة، أصبحت البلاد بوابة تصدير الغاز الطبيعي من حقول قبرص إلى الأسواق العالمية، ومع اقتراب بدء تدفقات الغاز من حقول "كرونوس" و"أفروديت" القبرصية عبر البنية التحتية المصرية، يبرز دور القاهرة كمحور لتجارة الطاقة في شرق المتوسط.

وفي هذا التقرير، من سمارت فاينانس، نستعرض التطورات الأخيرة في هذا المشروع، الذي يعد خطوة حاسمة نحو أمن الطاقة الإقليمي، وسط تحديات عالمية مثل أزمة الطاقة الأوروبية بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.

طموح مصر للتحول إلى مركز طاقة إقليمي

وتسعى مصر منذ سنوات إلى ترسيخ مكانتها كمركز إقليمي لتداول وتصدير الطاقة، مستفيدة من موقعها الجغرافي الاستراتيجي بين ثلاث قارات والبنية التحتية المتطورة للغاز المسال (LNG).

وبعد اكتشاف حقل "ظهر" في 2015، الذي يعد أكبر حقل غاز في المتوسط، تحولت مصر من مستورد صافٍ إلى مصدر، لكن تراجع الإنتاج المحلي بنسبة تصل إلى 20% في السنوات الأخيرة دفعها إلى تنويع المصادر.

وفي فبراير 2025، أصبحت الاتفاقيات مع قبرص محورية لهذا الطموح، حيث وقعت مصر وقبرص اتفاقيتين رئيسيتين على هامش معرض "إيجبس 2025" في القاهرة، بحضور الرئيسين عبد الفتاح السيسي ونيكوس كريستودوليديس.

الاتفاقية الأولى تتعلق بتطوير حقل "كرونوس" في الكتلة 6 القبرصية، بمشاركة شركتي "إيني" الإيطالية و"توتال إنرجيز" الفرنسية، والثانية بحقل "أفروديت" في الكتلة 12، بقيادة "شيفرون" الأمريكية بالشراكة مع "شل" و"نيو ميد إنرجي". 
وهذه الاتفاقيات تسمح بنقل الغاز إلى محطات الإسالة في دمياط وإدكو، حيث يحول إلى LNG للتصدير إلى أوروبا والأسواق العالمية.

ووفقًا لتصريحات كريم بدوي، وزير البترول المصري، فإن هذه الشراكات تعزز قدرة مصر على استيعاب إمدادات إضافية تصل إلى 900 مليون قدم مكعب يوميًا من الحقلين القبرصيين، مما يرفع إجمالي التصدير السنوي إلى أكثر من 12 مليون طن من الغاز المسال.

وهذا يعكس استراتيجية القاهرة للاستفادة من احتياطيات قبرص البالغة 15 تريليون قدم مكعب، لتصبح "نادي المصدرين" الإقليمي.

كرونوس وأفروديت كمحرك للتصدير

وحقل "كرونوس"، المكتشف في 2022، يحتوي على احتياطيات تصل إلى 2.5 تريليون قدم مكعب، ويدار بنسبة 50% لكل من "إيني" و"توتال".

والاتفاقية الموقعة في فبراير 2025 تتيح نقل الغاز عبر مرافق حقل "ظهر" المصري إلى محطة دمياط، مقابل رسوم تصل إلى 1.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية.

وكلاوديو ديسكالتزي، الرئيس التنفيذي لـ"إيني"، وصف الاتفاق بأنه "معلم رئيسي لإنشاء مركز غاز في شرق المتوسط"، مشيرًا إلى أنه يعزز أمن الطاقة الأوروبي.

أما حقل "أفروديت"، المكتشف في 2011 واحتياطيه 3.5-4.5 تريليون قدم مكعب، فقد شهد تقدمًا في 2025 بعد حل خلافات مع "شيفرون"، وفي فبراير، وافقت قبرص على خطة تطوير معدلة تشمل منصة إنتاج عائمة وخط أنابيب بحري إلى مصر، بتكلفة تتراوح بين 800 مليون ومليار دولار.

حقول الغاز القبرصية
حقول الغاز القبرصية

وفي سبتمبر 2025، أكدت زيارة وزراء الطاقة المصري والقبرصي في ميلانو، على هامش "غازتيك 2025"، تسريع الجدول الزمني لبدء الإنتاج بحلول 2027، مع التركيز على ربط الحقلين بمصر لتصدير الغاز إلى أوروبا.

وهذه الحقول تمثل فرصة لقبرص للدخول إلى سوق التصدير لأول مرة، حيث كانت تعاني من تأخيرات فنية وسياسية، بينما توفر لمصر إمدادات إضافية لسد فجوة الإنتاج المحلي الذي انخفض إلى 4.5 مليار قدم مكعب يوميًا في 2025.

الاتفاقيات الجديدة والشراكات الدولية في 2025

وشهد عام 2025 تطورات حاسمة في الشراكات، ففي 16 سبتمبر، أعلنت "إيني" اتفاقًا مع مصر وقبرص لتصدير إنتاج "كرونوس" كاملاً عبر دمياط، بدءًا من 2027، مقابل رسوم تنافسية.

كما وقعت "شيفرون" اتفاقية لربط "أفروديت" بمصر، مع بدء مسح قاع البحر في أبريل 2025 تمهيدًا للبناء.

وهذه الاتفاقيات مدعومة من الاتحاد الأوروبي، الذي يرى فيها بديلاً عن الغاز الروسي، حيث يتوقع أن يغطي 10% من احتياجات أوروبا بحلول 2030، كما انضمت قبرص إلى منتدى غاز شرق المتوسط الذي يقع مقره في القاهرة، الذي يضم إسرائيل واليونان وإيطاليا، لتعزيز التعاون الإقليمي.

وفي سبتمبر، أكد بدر عبد العاطي، وزير الخارجية، أهمية هذه الشراكات في تعزيز الاستقرار الإقليمي أثناء زيارته لنيقوسيا.

الفوائد الاقتصادية

ويقدر الاقتصاديون أن هذه المشاريع ستجلب إيرادات تصل إلى 3 مليارات دولار سنويًا لمصر من رسوم الإسالة والتصدير، بالإضافة إلى خلق آلاف الوظائف في قطاع الطاقة.

كما تعزز التنويع الاقتصادي، حيث يُتوقع زيادة الاستثمارات الأجنبية بنسبة 25% في 2026، وبالنسبة لقبرص، يفتح الباب لدورها كمصدر رئيسي، مما يعزز موقعها الجيوسياسي في الاتحاد الأوروبي.

دور مصر في أمن الطاقة العالمي

ومع هذه التطورات، تؤكد مصر دورها كجسر طاقة بين الشرق الأوسط وأوروبا وأفريقيا، وفي مؤتمر "غازتيك 2025"، أشاد الخبراء بموقع قناة السويس كطريق لنقل الـLNG، مما يجعل مصر لاعبًا أساسيًا في سوق الطاقة العالمية.

والرئيس السيسي شدد في لقاء مع وزير البترول في سبتمبر الجاري على أهمية هذه المشاريع في تحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز الصادرات.

ويمثل تصدير الغاز القبرصي عبر مصر نقلة نوعية نحو مركز طاقة إقليمي، يعزز الاقتصاد ويضمن الاستقرار، ومع استمرار الجهود في 2025، تصبح مصر نموذجًا للتعاون الإقليمي في عصر الطاقة المستدامة.

تم نسخ الرابط